رئيس تيار الخط الثالث الدكتور محمد درويش بمهرجان ولادة لبنان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ،
والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الأمين، وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين.
أيها الحضورُ الكريم،
نجتمعُ اليومَ في طرابلس الفيحاء، مدينةِ العلمِ والحرية، لنحتفيَ بانتصاراتٍ أنعمَ اللهُ بها على بلادِنا، بعد أنْ قدَّمنا في سبيلِها الغاليَ والنفيس. ها هي غزّةُ، رغمَ عامٍ من الصمودِ الأسطوريِّ في مواجهةِ الإبادةِ الممنهجةِ، تضمِّدُ جِراحَها، وتثبتُ للعالمِ أنَّها لنْ تُستأصلَ، ولنْ تنكسرَ بإذنِ الله. أما سوريا، فقد عانى أهلُها الويلاتِ من ظلمٍ وتشريدٍ وقصفٍ وتنكيلٍ، لكنَّ نصرَ اللهِ وفرجَهُ قد جاءَهم بعد طولِ صبرٍ ومصابرة.
ولبنانُ، هذا الوطنُ الصامدُ رغمَ المحن، لم يكنْ يومًا في منأى عن المعاناة، لكنهُ وقفَ إلى جانبِ إخوتِهِ، فكانت طرابلسُ على الدوامِ عاصمةَ الحقِّ، تُقدّمُ التضحياتِ بلا تردُّد، وتدفعُ أثمانًا باهظةً دونَ أنْ تُبدّلَ هويتَها ومبادئَها. فتحيةً لها ولأهلِها، وهي تخطوُ اليومَ أولى خطواتِ النهوضِ، بإذنِ الله، نحوَ العزِّ والحرية.
أيها الإخوةُ والأخوات،
إنّنا في “تيّارِ الخطِّ الثالث”، كما هو حالُ أهلِ هذه المدينةِ، نعرفُ جيدًا معنى الابتلاءاتِ والمحن. سقطَ الشهداءُ على دربِ العزِّ والحرية، وسُجنَ الأحرارُ وما زالَ بعضُهم خلفَ القضبان، بينما انتشرَ الفسادُ في البرِّ والبحرِ بما كسبتْ أيدينا. ولعلَّ في ذلك دعوةً لنا لنعودَ إلى الصواب. فأيُّ ساعةٍ أولى بالرجوعِ والتصحيحِ من هذهِ الساعة؟ ساعةُ نصرِ الله وفتحِهِ!
علينا أنْ نواجهَ مشاكلَنا بشجاعةٍ، ونقفَ عند أخطائِنا، حتى نكونَ على قدرِ المسؤوليةِ تجاهَ هذه الانتصارات، مسؤوليةِ بناءِ الدولةِ العادلةِ، وحفظِ حقوقِ الناسِ في دينِهم ودنياهم، ورعايةِ قيمِهم وثوابتِهم التي تمسّكوا بها رغمَ المحن. ولا سبيلَ إلى ذلكَ إلا بالعدلِ والإحسان. فهلْ ننهضُ بهذهِ القيمِ، من أجلِ أنفسِنا، ومن أجلِ هذا الوطن؟
أيها الأحبة،
لبنانُ مسؤوليتُنا الأولى. لكنهُ، بمؤسساتِهِ ومواطنِيهِ، لا يزالُ يعاني تحتَ وطأةِ الفسادِ والفقرِ والتهميش. والجهلُ بالدينِ والتاريخِ والهويةِ قد استفحلَ في مجتمعِنا، حتى باتتْ معالجتُهُ من أعسرِ المهام. فأينَ نحنُ من هذا التحدي؟
لطالما كانتْ طرابلسُ قلعةَ المواقفِ المشرفةِ في كلِّ الميادين، نصرتِ المظلومينَ حيثما كانوا، استقبلتِ النازحينَ إبّانَ العدوانِ الإسرائيلي، وقفتْ إلى جانبِ أهلِ غزّةَ بكلِّ ما أوتيتْ، ودعمتِ الثورةَ السوريةَ حينَ تخلى عنها الآخرون. وعندما دعتْها الحاجةُ إلى الإصلاح، خرجتْ إلى ساحةِ النورِ رافضةً الفسادَ، فكانتْ عاصمةَ الثورةِ والتغيير.
أيها الإخوةُ والأخوات،
إننا في “الخطِّ الثالث” نرى في طرابلسَ مدرسةً وأملًا. واليومَ، في هذهِ اللحظةِ الفارقةِ، حيثُ يُولدُ لبنانُ جديدٌ وسطَ تحدياتٍ جسام، وتستمرُّ غزّةُ في صمودِها رغمَ محاولاتِ تهجيرِ أهلِها، وكأنّ ما لم يتمكّنوا من أخذهِ بالإبادةِ في عامٍ، يسعونَ لانتزاعِهِ بالتحايلِ والتآمرِ والترهيب، فإننا أمامَ امتحانٍ أصعبَ من امتحانِ المحنةِ ذاتِها: امتحانِ الانتصارِ، وهو الاختبارُ الحقيقيُّ لقدرتِنا على البناءِ والنهوضِ.
نشكركم على حضورِكم الكريم، وعلى تلبيتِكم دعوتَنا في “الخطِّ الثالث”، ونأملُ أنْ يتطوّرَ هذا اللقاءُ إلى محطاتٍ متكررة، وإلى نشاطاتٍ مشتركةٍ تهدفُ إلى تحقيقِ تغييرٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ حقيقيٍّ، ينهضُ بهذه المدينةِ وهذا الوطن.
فلنكنْ معًا في هذه المسيرة، يدًا بيدٍ، نحوَ غدٍ أفضل.
والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
