فرمان الإمبراطور ترامب الثاني …

فرمان الإمبراطور ترامب الثاني …

كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف على موقع وجريدة البستان :

الشره الكبير للوصول إلى السلطة مرَّةً ثانيةً لدى الرئيس رونالد ترامب ، إضافةً إلى الحركات والتصاريحَ ، غير المألوفة في أيِّ إننتخاباتٍ رئآسية ، فكيف بدولَةٍ كبرى كأميركا ، إضافَةً أيضاً إلى عُمُرِه الغارق في الثمانينات ، وهو يرقُص ويتَمايَل وكأنَّه مراهقٌ تحت العِشرينَات ، دون أن يُوازي بين مزاجياته الشخصية ، ومسؤوليَّاته الرئآسيَّة ، إضافةً إلى إنتِهاج منافسةٍ إنتخابيةٍ غيرِ شريفةٍ ، بإطلاق عبارات بذيئَةٍ ومسيئَةٍ بحق منافسه بايدن ، ومن ثمَّ منافِسَتِه هاريس ، حتى إزداد تعنُّتاً وعنصُريةً مع هاريس ، عدا عن حزبها ومن معها ، إلى أن أعلن بصراحَةٍ : أنه يريد الوصول إلى البيت الأبيض كيفما كان …
حتى أنه إستخدم لها كافة الأساليب والوسائل الماديٌَة والمالِيَّة بالتّعاون مع كبار المُتموِّلين وأصحاب الشُّهرة من أثرياء أميركا بالتَّعاون والإستِناد على الصّهيونيَّة العالميَّة ، التي أودعها عِدَّة وعودٍ ، بدعم ومُناصَرة إسرائيل في حربها مع العرب ، وفي فلسطين بالذات ، للتوسع وتحقيق إسرائيل الكبرى ، لأنَّ أرض فلسطين وحدها ، لا تكفي لإستيطان اليهود المستجمعين من الشتات ، ولأجل الغزو والتسلط على مقدرات ومنتجات الأمة العربية ودولها وشعوبها ، حيث باتت جاهزةً للتطبيع وإقامةِ العلاقاتِ الودِّية على أكثَر من صعيد …
سيٌَما وقد بات الخوف على العروش ، وعلى المَناصِب والعَرائِن يغزو الأفكار والقلوب ، حتى باتوا هم السباقون لإتمام الصَّفقات وإجراء الإتفاقات ، وبذل الأموال والهدايا قبل أن تتغير الأحوال ، بمزاجيات جديدة لترامب ، فيبدل رأيه بهم وبوجودِهم على السلطات ، لكي يضمُّها إلى إمبراطوريته ، التي أعلنها عند فوزه وتولِّيه الحكم وإدارته من البيت الأبيض ، لأجل أن يغيِّر العالم وفق أهوائه ، التي وصلت إلى شراء غزَّة وتحويلها إلى ريفييرا جديدة ، بمنتجعاتٍ ومدنٍ سياحيَّةٍ ، يستفيد من إستثمارها مادياً على حساب شعبها الصامد ، الذي أبى التهجير والبَيع رغم كُلِّ الإغراءآت بالعيش السَّعيد والرَّغيد ، وببلادٍ أخرى بعيداً عن الدَّمار والخراب وروائح المَوت من آثار قنابل اليورانيوم والكيميائيَّات ، التي نشرتها إسرائيل بعدوانها الآثم على شعبها الأعزل المسالم ، وعلى مساكنها ومؤسساتها ، التي سُوِّيت بالأرض …
إنَّ نظرة ترامب التجاريَّة لا تتحكم بأعماله الخاصَّة بل تتعداها لتعامله مع العالم ، على أنهم سلعاً للبيع والشِّراء ، كما يقود شركاته التجارية والإقتصادية كملكية خاصة ، لذا شكل فريق عمله من هؤلاء الذين يشبهونه في الفكر والأداء الربحي ، ويتساوون معه في الولاء للصهيونية الداعمة لقيام دولة إسرائيل الكبرى ، التي تضمر قيامها على حساب الدول والشعوب العربية ، بينما هي تتنافس فيما بينها على التطبيع ومنح السلام لليهود ، الذين ينوون الإستيطان في بلادهم ، حيث ستمحى عن الوجود ، وفق خارطة الطريق المؤدِّية لشرق أوسطٍ جديدٍ ، تحت سلطة الصهيونية العالمية ، التي تعمل جاهدةً للهيمنة على العالم ككل ، وتطبيق مقولتهم في التلمود : (أنهم شعب الله المختار ) ، وبالتالي تحقُّ لهم فقط ، الحياة والعيش على هذا الكوكب …
بالتالي فإن كل ماعداهم ، إما للقتل الجماعي ، أو للإستخدام والإستعباد الكلِّي ، وهذا مانراه على أرض فلسطين ومحيطها كنموذج للنهج الصهيوني ، بالتعامل مع الشعوب فيها ، ومع شعوب العالم كله ،حين أرادوا الإنتفاضة على مفاهيمهم الساميَّة البالية ، التي تتستر بالحرية والمساواة والديموقراطية وحقوق الإنسان والشفافية ، والسلام العالمي ومحاربة الإرهاب ، الذي إتضح بأنه من صنع أفكارهم وعمل أيدِيهم في كل الصراعات العسكرية والمدنية ، التي تُملَى على الشعوب بمباهِجَ وبهرجاتٍ وكلماتٍ فضفاضةٍ مفرغَةٍ من مضمونها ومعانيها الحقيقيَّة ، وفيها تكمن قمَّة الإفتراءآت والأكاذيب …
يتهيج ترامب مع بداية عهده الثاني من حكم أميركا ، وقد إفترض مع وصوله للحكم بهذه الوسيلة التجارية ، بأنَّه قد وصل إلى إمتلاك العالم ، وليس أميركا وحدها ، وذلك بإستخدام الألفاظ والتصاريح والقرارات الهَمايونيَّة ، على غرار الفرمانات ، التي كانت تصدُرُ في القرون الوسطى ، حين كانت الإمبراطوريات ، تجسِّد حكم الشخص ، كما قال الإمبراطور لويس الرابع عشر ( أنا الدولة ، والدولة أنا ) ، وكان الإستعباد والظلم هو قاعدة الحكم كمُلكِيةٍ فرديةٍ ، قبل الثورة الأميركية والثورة الفرنسية ، التي جاءت بأفكارِ الحُكم الجَماعي والديموقراطي ، والذي إعتمَدَه الحزب الجمهوري الأميركي …
لقد ترشَّح ترامب على أساسه ، وسار عليه أسلافُه من الرؤساء ، ولكن الصهيونية ، التي حرَّكت الثورات ، هي ذاتها التي تُحرِّك إدارة ترامب ، نحو التسلط والهيمنة على العالم ، وهي التي تغتنم جنونه وجنوحه ، للتمتع بوجوده على رأس الحكم ، لأكبر وأقوى دولةٍ في العالم ، لتستخدِمَه في دعم إسرائيل الكبرى ، وليتَناغم مع المَجنون الآخَر فيها ، المُجرم (نتن ياهو) ، الذي يتَّصِف بنفس الصِّفات التّرُمبيَّة من العَنجهيَّة والكِبريَاء والإستِعباد ، ليَسيرا سَوياً في تطبيق خارِطة الطَّريق للقضاء على الدول والشعوب العربية ، ليتسنى لهم وللصهيونية العالمية توزيع الغنائم والأرباح في الحجر والبشر والشجر ، وما تنتجه للطغمة الحاكمة عبثاً وفساداً …
إن ما حدث من إجتماع الرئيس الأميركي ترامب ، مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي ، والكلمات البعيدة عن الديبلوماسيًّة والآداب الرئآسيَّة والسِّياسيَّة ، والتي عكسَت كيف يتعامل ترامب مع الآخرين ، وتعطينا الدليل على إستعلائه ، رغم أنه هو الذي إستدعاه للتفاهم على السلام مع الروس وإنهاء الحرب ليستفيد بالمقابل من صفقة القرن ، بنهب خيرات أوكرانيا من المعادن الثقيلة ، كغنائم هذه الحرب وتسويتها ، ومن أجل أن يفتح صفحةً جديدةً مع روسيا ، لتكون بعيدةٌ عن الصين ، ومحايدةٌ في أيِّ إتفاقٍ أو مواجهةٍ معها ، ليحُدَّ من توسُّعها وإنتشار قوتِها الإقتصاديةوالعسكرية.
ومن جهة أخرى بات يتسَنى له إحتكارَ زعامًة العالم ، الذي لطالما نادى بتسمِية الخليج المكسِيكي بالأميركي ، وإعادَة ضمِّ قناة بنَما ، وأيضاً ضم كندا ، بالإضافة إلى جزيرة غرينلاند ، وتطفلاً بالمَزيد من الغنائِم ، لتمتد سرقة يداه إلى غزة الأبية ، التي إنتصرت بصمود أهلها على أعتى سلاحٍ للدَّمار الشَّامل ، من دون النتيجًة المُرتجَاة للمجنونِ الآخَر المُماثِل ، الذي يَنوي قَضم الأراضي الفلسطينية والعربية ، لتحقيق نزواتِه التوسُّعية على حساب الشعوب والدول الآمنة في سربها ودربها ، والتي أفشلت النوايا والقضايا المثارة للغاية المطلوبة ، وللهيمنة والسيطرة على العالم ، فيتحقَّق قولُ الشَّاعر في وصف فرمانات الإمبراطور ترامب وأمثاله : (ما كُلٌُ ما يتمَنَّى المَرء يُدرِكُه ، تَجري الرِّياحُ بما لا تَشتَهِ السُّفن )…

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *