“الزامبو” في طرابلس: يوم فرح يخرج المدينة

“الزامبو” في طرابلس: يوم فرح يخرج المدينة من رتابتها

بعيداً عن الأصول الدينية والرمزية، أصبح “الزامبو” كرنفالًا لكل الناس

(المدن)

في الأحد الأخير قبل بدء الصوم الكبير، تتحوّل شوارع الميناء في طرابلس إلى لوحة صاخبة تضج بالألوان وتعلو على مسامع أهلها أصوات قرع الطبول والهتافات. هنا، يحتفل أبناء الطائفة الأرثوذكسية، ومعهم أبناء المدينة من مختلف الطوائف، بكرنفال “الزامبو”. طقس سنوي يجمع بين التاريخ والغموض، بين الفرح والاحتفال العابر للحدود، حتى صار رمزًا يجسّد روح المدينة المتعددة الأوجه.

أصول غامضة لكن الفرح مستمر
لا أحد يعرف على وجه الدقة من أين جاء “الزامبو”. بعض الروايات تربطه بالمهاجرين اللبنانيين الذين عادوا من أميركا الجنوبية، حاملين معهم روح الكرنفالات البرازيلية والأرجنتينية، بينما يرى آخرون أنه جاء مع الجنود السنغاليين الذين خدموا في لبنان خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تركوا بصمتهم على المدينة بطريقتهم الخاصة. أياً كانت جذوره، فإن الميناء احتضنته منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ولا يزال مستمراً رغم كل شيء.
يقول بشارة حسن، أحد منظمي المهرجان: “منذ الثلاثينيات، وأهالي المينا يمارسون هذه الطقوس، التي لا تفرّق بين مذهب أو طائفة، بل تجمع الناس وتعزز العلاقات بينهم”. ورغم الأزمات التي مرت بها المدينة، لم ينقطع “الزامبو” إلا لفترة قصيرة، لكنه عاد عام 1986 ليستمر بلا انقطاع.

تحضيرات وألوان تملأ الشوارع
مع بزوغ الفجر، تبدأ الاستعدادات في أحد مستودعات شارع “الخربة”، يتجمّع المشاركون لاختيار الألوان ومزجها. الرجال والنساء، الأطفال والكبار، كلّهم يدخلون في طقس التحضير، حيث تُطلى الأجساد، وتُرتدى الملابس التنكرية، استعداداً للمسيرة الكبرى.

الطبول تدوي، والأهازيج تتعالى، بينما يرقص المشاركون في أزياء تذكّر بمهرجانات ريو دي جانيرو، لكنها تحمل نكهة طرابلسية خاصة. وسط الجموع، يقول سامر، وهو شاب يشارك لأول مرة “أنا من الضنية، وكنت أسمع عن الزامبو، لكن اليوم قررت أن أشارك. الحماس والطاقة بالشارع شيء لا بوصف”.

من الشوارع إلى البحر.. الختام في الماء
تمضي المسيرة في أزقة الميناء، حيث تتداخل أصوات الطبول مع الضحكات والهتافات. يصف أحد كبار السن المشهد قائلاً “هيدا اليوم من أجمل أيام السنة، لأنه بيرجعنا لأيام زمان، لما كان كل أهل الميناء يحتفلوا سوا، بدون تفرقة”.

ذروة الاحتفال تصل عندما يندفع المشاركون نحو البحر، في مشهد أشبه بالتطهر الرمزي، وكأنهم يلقون عنهم أعباء العام المنصرم ويبدأون الصوم بروح جديدة. تقول صفا سعادة، من سكان الميناء “كل سنة منعمل الزامبو لنعلن عن بدء الصيام، ومنغسل حالنا بالمي لنبلش الصيام من دون خطية”.

كرنفال يعبر الطوائف.. ويجمع المدينة
بعيداً عن الأصول الدينية والرمزية، أصبح “الزامبو” كرنفالًا لكل الناس. فالاحتفال لم يعد يقتصر على الطائفة الأرثوذكسية، بل بات يجذب سكان طرابلس من مختلف الخلفيات. يقول بشارة حسن “هدفنا الوحيد هو إدخال الفرح إلى قلوب الناس. لا نسعى للربح أو الشهرة، بل فقط للحفاظ على هذا التقليد الفريد”.

التمويل يأتي من تبرعات محبي الكرنفال، ومن سكان الميناء الذين يحرصون على استمراره عامًا بعد عام. سعاد، إحدى المشاركات الدائمات، تقصده من منطقة التل وتقول “كل سنة بجيب الأولاد وبجي. ما فينا نترك هالفرحة تروح”.

ومع غروب الشمس، تعود المدينة إلى رتابتها اليومية، لكن البحر يبقى شاهداً على يوم استثنائي. تصطبغ مياهه بألوان الطلاء، كأنها تترك بصمة لهذا الفرح العابر، قبل أن يعود “الزامبو” في العام القادم، ليذكّر طرابلس بأن الفرح، مهما كان عابراً، يبقى جزءًا من هويتها

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *