منذ فرنجية حتى زيلنسكي.. إدارة أميركية بمفهوم إمبراطوري
مرسال الترس
موقع “الجريدة”
في ٢٠٢٥/٣/٧
برغم كل الكلام عن الديمقراطية وحكم العالم، يبدو أن مفهوم الإدارة الأميركية لحكم هذا الكوكب كقوى متسلطة، هو نفسه ولم يتبدل، أو يتغير على الأقل، منذ خمسين عاماً بالتمام والكمال.
ما حصل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الأسبوع الفائت في البيت الأبيض، وكيف خرج من المكتب البيضاوي بصيغة “الطرد”، لأنه لم يعتد بما تخططه الولايات المتحدة لبلاده التي تخوض حرباً ضروس دخلت سنتها الثالثة حاصدة مئات آلاف الضحايا من شعبه، يعكس بوضوح كيف تتصرف الدول العظمى مع الدول الأقل شأناً على هذه البسيطة، ويعيد إلى الذاكرة ما حصل في عصرنا مع رؤساء حاولوا الحفاظ على سيادة بلادهم متجاهلين الشعار الشهير “عند تغيير الدول إحفظ رأسك”!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي خريف العام 1974، توجه رئيس الجمهورية اللبنانية سليمان فرنجية، على رأس وفدٍ رفيع ضم “كبار القوم” من رؤساء المجلس النيابي والحكومات، ليلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتكليف من زعماء الدول العربية مجتمعين، دفاعاً عن القضية الفلسطينية، الأمر الذي أغاظ الدولة العدو “إسرائيل” المغتصبة لأقدس أرض، ومن يدور في فلكها من دوائر المخابرات العالمية، فدبروا مكيدة للوفد في مطار نيويورك بحجة أنه ينقل المخدرات في حقائبه، بوشاية مركّبة من إحدى السفارات في مطار بيروت، حيث أتاحوا للكلاب البوليسية “هتك” حرمة تلك الحقائب مع كل ما يعني ذلك من رسائل “دنيئة”.
الأمر بالطبع أغاظ جداً رئيس الدولة اللبنانية والوفد المرافق، ولاستدراك الخطأ البروتوكولي الفادح أرسل الرئيس الأميركي حينها جيرالد فورد موفداً إلى الرئيس فرنجية ليعتذر عما حصل، وليوجه له دعوة لزيارة واشنطن. فما كان من “أبو طوني” إلاّ أن أبلغ الموفد بالعبارة الشهيرة التالية: “أنا على أرض دولية، ولن ألوث حذائي بتراب الأرض الأميركية”!
وجميع الوثائق التي ظهرت عقب تلك الواقعة تحدثت عن دور كبير لدوائر المخابرات الأميركية في غض الطرف ـ إذا لم يكن المساهمة الفعالة ـ في تأجيج الحرب بعد أقل من ستة أشهر، فإندلعت بإيحاء أنها ” حرب أهلية” بين اللبنانيين، ولكنها كانت أخطبوطية خارجية بامتياز.
وبعد نحو خمسة عقود على تلك الواقعة، كان لافتاً ما حدث الشهر الماضي مع الملك الأردني عبد الله الثاني، من إحراج داخل المكتب البيضاوي، وبعده بالأمس القريب مع الرئيس الأوكراني الذي استقطبته بريطانيا مباشرة، وجمعت له أكثر من دزينة من الزعماء الأوروبيين لإستمرار مساندته، بعد أن شعرت أوروبا نفسها كإتحاد أنها مستهدفة بالإجراءات الأميركية، في وقت يرتفع فيه منسوب الغزل بين الرئيسين الأميركي ترامب والروسي فلاديمير بوتين كقوتين مؤثرتين في هذا العصر.
اللافت أن الرئيس الأوكراني أكد، بعد الاهتمام الانكليزي به، أن استقالته أو تغييره لن يكون سهلاً، مما يعني أنه قد تحسّس رأسه. في حين أن مثل هذه الواقعة على أرض “العم سام” لا يمكن أن تمر بدون إطاحة رأسٍ ما!
في غضون ذلك وترقباً لما قد يطال الساحة اللبنانية، علّق النائب طوني فرنجية على مواجهة ترامب ـ زيلينسكي فكتب عبر إحدى المنصات: “دعونا نجلس ونشاهد ونتعلم، نتعلم كيفية تجنب الوقوع في ما يمكن أن يدمرنا. ربما فات الأوان بالفعل، أو ربما لم يفت الأوان أبدًا”!