أين لبنان من انسحاب أميركي مفاجئ؟
مرسال الترس
موقع “الجريدة” في ٢٠٢٥/٨/٢٧
لم يكن مفاجئاً ما أعلنته الإدارة الأميركية يوم الأحد الماضي، عن أنها قرّرت بشكل “مفاجئ” سحب جميع جنودها من قاعدتي “عين الأسد” و”فكتوريا” في العراق، وأن “القوات الأميركية تشرع في نقل عناصرها إلى منطقة أربيل الكردية وبلد عربي مجاور”!
وعدم المفاجأة ينطلق من أسلوب درجت عليه الإدارات الأميركية منذ أن إنخرطت في الحروب على الصعيد العالمي، ابتداءً من الحرب العالمية الثانية في أواسط أربعينيات القرن الماضي، فكان منها المذلّ، كما حصل في فييتنام (1975) وبيروت (1983) وأفغانستان (2021). ومنها غير المبرر، وعلى طريقة الكاوبوي الذي يدير ظهره لـ”أصدقائه” ويمشي، وقد حصل الكثير منها في أكثر من عاصمة عالمية.
ومع حركة الموفدين الأميركيين الناشطة في هذه المرحلة على خط العاصمة اللبنانية، تَطرح الكثير من الأوساط التي أحرقها “الحليب” الأميركي يوماً ما، بما في ذلك قوى الرابع عشر من آذار والسفير جيفري فيلتمان، عما إذا كان أولئك الموفدون، ومنهم من أصول لبنانية، سيكملون مهمتهم، أم أنهم سيُصدمون مثل أسلافهم ويتركون الأمور بعهدة العدو الاسرائيلي لينفذ مخططاته ومآربه!
ولعل المثال المعبر، هو انضمام السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام الى زوار العاصمة اللبنانية، والذي يشغل منصب رئيس لجنة الميزانية في مجلس الشيوخ الأميركي، حيث أن الهدف من زيارته هو توجيه رسالة مباشرة إلى المسؤولين اللبنانيين مفادها أن أي مساعدات دولية للبنان مرتبطة بخطوات ملموسة في ملف تفكيك “حزب الله”، ونقطة على السطر. وكان واضحاً جداً بما تم التعبير عنه في القصر الجمهوري، ما يعني أن أي فشل لتنفيذ قرار نزع السلاح سيدفع بـ”الأميركي” عامة إلى إدارة ظهره وتلزيم لبنان إلى قوة إقليمية لتطويعه، كما حصل عندما أوكلت واشنطن أمر لبنان إلى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بعد مساهمته بقوة رمزية إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية في الحرب على العراق في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي.
الواضح أن هناك الكثير من الأفرقاء اللبنانيين يعلقون آمالاً كبار على الإدارة الأميركية الحالية، متجاهلين انسحاباتها الفجائية والمذلّة من أكثر من منطقة ساخنة في العالم وبدون أسباب موجبة، من منطلق أن الأميركي ليس مغرماً بلبنان، وقد يضيق ذرعاً منه، على عكس الأم الحنون فرنسا التي تتمسك برأس جسر في شرقي المتوسط، إلاّ بقدر ما يسجله وطن الأرز من ترتيبات ملموسة في علاقته المستقبلية مع الكيان اليهودي، أو على طريقة التهديد بالانسحاب بلسان الموفد توم براك أذا بات الوضع “فوضوي وحيواني” عندما كان يخاطب الاعلاميين في قصر بعبدا!