بيننا وبين العدو «الغاشم»!

بيننا وبين العدو «الغاشم»!

د. جهاد نعمان

عرضا، شاهدت من بلاد العم سام، على التلفزيون الإسرائيلي، مسؤولا إذاعيا، أقام الدنيا وأقعدها، لان أحد المستشفيات، كتب على مدخل مستشفاه: «المستشفه» هكذا بالهاء، عوض المستشفى، فإذا بهذا المسؤول الغاضب يلقي محاضرة لغوية، طالت ربع ساعة، مبيّنا فيها أصل المستشفى، وكونه اسم مكان من فعل استشفى. وبعد، ناشد وزارة التربية ووزارة الصحة لتتداركا هذا الخطأ الجسيم. وتشاء الصدف أن اقرأ في الليلة التالية، في «التلفزيون المصري» ما يلي: «الحلقة التاسعة عشر»، عوض الحلقة التاسعة عشرة. فقلت في نفسي: يا لإهمال العرب لفصحاهم. فها مصر الأمة العربية الكبرى، أم الأزهر وطه حسين والعقاد والمنفلوطي وأمثالهم، من أرباب اللغة الأفذاذ، تحدرت لغويا هذا التحدّر، فما هو إذن، يا ترى، مصير أخواتها الأخريات العربيات من الفصحى؟ ما مصير بني يعرب أقلّه في هذا المضمار تجاه عدوتهم إسرائيل التي سبق ان اغتال بعض فلاسفتها حتى جانبا من العقل الغربي قبل أن تغتصب هي أرض فلسطين؟
اللغة العربية على تلفازنا ولسان معنيين غير معنيين بالعقل اللبناني، خليط غريب عجيب من الفصحى وللهجات المختلفة. لِمَ لا تعنى وزارات التربية والثقافة والإعلام… أقلّه بشؤون اللغة وشجونها، فتعزز استعمال الفصحى في الأخبار الرسمية والأفكار السديدة وتدع للهجات المحلية تنصقل وتتوحّد في حدّها الأدنى؟

هكذا، ويمكن الوزارات الرشيدة أن ترصد مثلا بعض الألفاظ التي يظن كثيرون انها ألفاظ عامية وتعمل لأن تضاف إلى مناهجنا: هاكم أمثلة ثلاثة:

رافقتنا في طفولتنا ثلاث كلمات، ولما تزل وهي: «نتش» بمعنى استخرج، أخذ: نتشت القلم من يده. و«نتفة» على نغم «فوطة» وهي كل قليل من شيء ما: أعطني نتفة مما تأكل. وفدغه أي شق رأسه: ضربه بالحجر ففدغه. ان هذا المثلث هو من صميم الفصحى، وما استطاعت العامية أن تخطف اليسير من نصاعته. انه كالرغام المفتوحة رؤاه، أي كالذهب المخبأ في التراب. وما أكثر الكلمات الفصيحة الباقية على فصاحتها، في للهجات العامية. أحيا بعضها، الأديب الكبير الراحل مارون عبود، كما في «دايم دايم». والبقية الباقية، وهي كثيرة، تحتاج إلى من يلملم شتاتها، ويقحمها في الكتابة الفنية. فهل من سميع مجيب في غمر تصحّرنا المتفاقم على غير صعيد؟؟!!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *