فقرة إستراحة القراءة

فقرة إستراحة القراءة

القهوة المالحة:

كان يسكن بالقرب منها ويراها دائماً وهي ذاهبة إلي جامعتها كل صباح بجد و حماس، كانت في غاية الجمال والرقة ولكن منعه خجله من التقرب إليها أو الحديث معها، كان هو شابا عادياً ليس لديه الكثير من المال أو الجاه، ولكنه قرر الارتباط بها فتقدم لخطبتها من والديها، وطار قلبه فرحاً عندما وافق والدها على الخطبة، فهو على وشك أن يكوّن بيتاً وأسرة مع حبيبة عمره !!

دعاها إلى تناول فنجان من القهوة في إحدى المقاهي الجميلة الرومانسية، كان مضطرباً جداً ولم يستطع التحدث في بداية الامر، وهي شعرت كذلك بالاحراج والخجل الشديد، فهي لأول مرة تجلس للتحدث مع شاب، وفجأة خرج الشاب من خجله وأشار إلى النادل قائلاً : رجاءاً أريد بعض الملح في قهوتي ، نظرت إليه باستغراب ولكنها لم تشأ أن تسأله عن ذلك حتى لا يخجل أكثر !!

شعر الشاب بذلك فبدأ يشرح لها قائلاً : عندما كنت فتى صغيرا، كنت أعيش بالقرب من البحر، كنت أحب البحر وأشعر بملوحته، فأصبحت أحب القهوة المالحة لأنها تذكرني بطفولتي واجمل ايام حياتي مع والدي رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته ، تأثرت الفتاة بكلامه وترقرقت الدموع في عينيها، وزاد حبها له لأنه حنون ووفي، وحمدت الله أنه جعل من نصيبها زوجاً طيباً رقيق القلب !!

تزوجا وعاشا سنوات طويلة معاً في سعادة وهناء، فقد كان رجلاً ذكياً طيب القلب حنونا وحريصاً على زوجته وأولاده ، وكانت تشتاقه كلما أخرج رأسه الأصلع من خلف باب بيتها وهو يودعها ، وكانت الزوجة تصنع له كل صباح قهوته المالحة لأنه يحبها هكذا ، بعد مرور أربعين عاماً على زواجهما توفاه الله ، بعد أربعين عاماً من الحب والود مع رفيقة دربه الوحيدة، ولكنه قبيل موته وعندما شعر بقرب النهاية ترك لزوجته رسالة هذا نصها : سامحيني يا زوجتي الحبيبة، لقد كذبت عليك طوال حياتنا مرة واحدة فقط، أتذكرين أول لقاء بيننا في المقهي ؟ كنت مضطرباً جداً وفي قمة الخجل، وقد أردت أن أطلب سكر لقهوتي، ولكن بسبب توتري واضطرابي اخطئت وقلت ملح بدل السكر، وخجلت من العدول عن كلامي فاضطريت للاستمرار في هذه الكذبة !!

ولكنني خفت أن أطلعك على الحقيقة بعد ذلك حتى لا تظني أنني بارع في الكذب وتخافين مني، ومن يومها وقد قررت ألا اكذب عليك مرة أخرى ابداً مهما كان الثمن، ولكنني قررت أن أبقي طوال حياتي أدفع ثمن كذبتي ، أنا لا أحب القهوة المالحة على الاطلاق، فطعمها سيئ للغاية، ولكنني شربت القهوة المالحة طوال حياتي معك ولم أشعر بالضيق أو الأسف أبداً، لأنها كانت السبب في وجودك معي بقلبك الحنون وحبك الرائع ، لو أن لي حياه أخرى في هذه الدنيا أعيشها، لعشتها معك حتى لو اضطررت لشرب القهوة المالحه في هذه الحياة الثانية !!

قرأت الزوجة الرسالة ودموعها تنهمر على الورقة ، وفي يوم ما سألها ابنها : يا أمي ما طعم القهوة المالحة، فأجابت : إنها على قلبي أطيب من السكر، إنها ذكرى عمري الذي مضى ، وفاضت عيناها بالدموع 

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *