مشكلتنا أنّا نعيش في بنيةٍ متخلِّفةٍ عميقةٍ جدًّا
بقلم المهندس فواز الخجا
مشكلتنا أنّا نعيش في بنيةٍ متخلِّفةٍ عميقةٍ جدًّا، قادرةٍ على إعادة إنتاج التخلّف مهما نشطنا للقضاء عليه. لذا، نترحّم دائمًا على مَنْ ثُرْنَا ضدّهم (صدّام حسين نموذجًا) عندما نتعرّف إلى الوجوه الجديدة التي تعيد، بشكلٍ أسوأ، إعادة إنتاج الاستبداد والتخلّف. بل وتُساهم في تفكك الدولة وانحلالها بالكامل.
بنية التخلّف هذه هي البنية الأعمق وليس البنية الطائفيّة كما يلغو البعض ويثرثر، أو ضعف الانتماء الوطني كما يجادل البعض الآخر، أو التعلّق بالزعيم كما يزعم آخرون. فالتعلّق بالزعيم جزءٌ من بنية التخلّف نفسها التي نعاني منها وليس العكس. هكذا نعيش جميعًا في هذه البنية المتخلِّفة، فنتصرّف بالطريقة ذاتها سواءٌ انتمينا إلى هذه الطائفة أو تلك، وسواءٌ أيّدنا هذا الزعيم أو ذاك. حتى زعماؤنا يتصرّفون معنا بالطريقة المهِينة المذِلّة الاستعلائيّة ذاتها؛ لأنّهم هم أيضًا لا يعيرون كرامة الإنسان أيّ أهمّية وأدنى اهتمام. بل لا يعترفون بنا كبشرٍ ذوي كرامة.
وعليه، فنحن طائفيّون وضعيفو الانتماء الوطني ومصفّحون جيِّدًا ضد الوعي. نحن نطيع كبراءنا وسادتَنا وزعماءنا طاعةً عمياء لأنّنا متخلِّفون، بل لأنّنا متخلِّفون جدًّا. إذًا، لا يمكن اختصار مسيرة الوعي عبر قفزاتٍ غير محسوبةٍ وفُجائيّة.
وبالمناسبة، فإنّ الانتخابات النيابيّة الأخيرة كانت محطّةً سيِّئةً في مسيرة وعي المجتمع اللبناني حيث لم تُغيِّر الكثير، فصار لدينا مجلس نوابٍ جديدٌ، لكن من ضمن الأصناف والتلاوين ذاتها التي عرفناها. ولا ننتظرنّ نوّابًا فضائيّين آتين من كوكبٍ آخر.
ما نفتقده فعلًا هو النبالة. هو الإنسان النبيل. هو الإنسان الذي لا ثمن له. لكن من أين نأتي بالنبالة عندما تكون الخِسّة هي الطاغية وعندما يكون الابتذال هو البضاعة الرائجة والسائدة وهو المنتشر بكثرة؟ ومن أين نأتي بالدم النقيّ عندما تكون دماؤنا جميعًا ملوّثة؟
علينا، إذًا، أن نواكِب مسيرة الوعي وأن ندفعها بقدر الإمكان إلى الأمام، لكن علينا دائمًا أن ننتبه إلى أنّ الشعوب لا تتقدّم إلّا ببطءٍ، وأحيانًا كثيرةً لا تتقدّم إلّا ببطءٍ شديد.