مقال للدكتورة فلك الرافعي في مجلة الشراع
محطة حرّة – باقلامهم
موروثات العودة ،الرجوع ، الظهور و المنقذ…
بقلم/ د. فلك مصطفى الرافعي
الشراع 6 شباط 2024
كثيرة و ملتبسة تلك الامنيات بعيدا عن احتمالات حدوثها أو نفيها، لأنها ضرب من تراكم الحاجة و الغاية ..
و مع شيخوخة الزمن الافتراضي فاضت ” حصّالات ” متخمة بالمتون واضدادها و بالأسانيد و نقضها ،على الرغم من عدم احاديتها فتنجو من الإنكار ، و سيف الانتظار الطويل يعمل بها الذبح و النحر كصنوف الانعام و انواع الإبل ، و هي بالتوكيد رغبة و نزعة شعبية من تلقين قوىَ حاكمة و هادفة لربط ناسها بعودة نبي و انتظار رسول، ربما لإنهاء مهمات لم يستطع القيام بها بولايته الاولى ،فجرى التمديد له لإنجاز لم يتحقق سابقا .
و تمحورت كل الموروثات ،إلى خلق هالات و مفعول رجعي من قائمة تخويفية و مرعبة لمن ينكر على حامل أختام الملك الذي يحمل مفاتيح الجنة ،و يملك مقادير جهنم …
و هنا اود التعريف ،أنني أصف حالات مع حيادي المطلق دون الهتاف لمن يعتقد بها يقينا أو تنكير و تكفير لرافضها ، و إنما الإضاءة عليها و إعمال العقل مما يقع تحت مسمى واحد ” إنما وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مهتدون “..
فكل الشعوب كانت لها اساطير ، فمهنم من نصّب للخصب آلهة، و مثلها للحرب و الريح و الحب …و كان للفراعنة آمون و مسميات يضيق ذكرها …
و كذلك اتباع بوذا و ينتظرون شعاع مثوله في معابدهم ،و أيضا أنصار ذراداشت و كونفوشيوس وحمورابي واخناتون و عبدة النار في بلاد فارس القديمة ،و تعاليم الديانة المزدكية في ولاية الامبراطور قباذ والد الامبراطور كسرى انوشروان الذي قتل مدعي الربوبية مزدك و أنهى اسطورته. .
و لم يسلم أتباع الديانات السماوية من اعتماد الانتظار الموعود على الرغم من الانبياء الذين أرسلوا لهم ..
فاليهود يؤمنون بظهور من يسمى ميسا ، و أيضا بعودة العزير رغم نبوة أحد رسل أولي العزم سيدنا موسى عليه السلام، و فرق من طوائف مسيحية تؤمن بنزول سيدنا عيسى المسيح عليه السلام، ليقتل الأعور الدجال و يحكم بالعدل بعد استشراء الباطل ..
و كذا معظم الطوائف الإسلامية تؤمن بالمسيح الدجال و نزول السيد المسيح ،و أيضا معظم المذاهب الإسلامية يؤمنون بظهور الامام الثاني عشر المهدي عليه السلام ،بعد غيبة طالت و يدعون له بالفرج ، و الآية الكريمة تُتلى آناء الليل و أطراف النهار ” اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا “…. فتم وضع الكمال و التمام و الرضوان على رف الموروثات، مع ملاحظة دقيقة و متأنية :أن القرآن الكريم الذي افرد آية لكيفية الوضوء لم تلحظ أية إشارة قرآنية لأية عودة أو نزول او ظهور .
و هناك في كتبنا و منها بعض الصِحاح أن الاعور الدجال له إمكانيات مرعبة ، فهو يحي و يميت و يعيد للحياة من ماتوا سابقا …
و ان ما بين اذني دابته ثلاثون فرسخا ، فكيف بحجم الدابة و صاحبها ؟ و هل يعقل أن الرحمان الرحيم لم ينبهها على تلك الفتنة الطاغية ؟؟ و حاشا لله أن يوصم بهذا الظلم …
و من الامل من ينتظر غودو المنقذ ،إن كان آتيا من خاصرة الصحراء بسيفه و ترسه، أو قادما عبر مقصورة قطار ، فالكثير من ينتظره في محطات القطار أو هابطا على ظهر نيزك ..
و من المنتظرين من يؤمن بعودة أحد خلفاء القرون الماضية الذي تجسد فيه حلولا الربّ العلي الكريم ،و نحتْ في ذلك أيضا بالغلو بعض الفرق الصوفية التي غالت بتعظيم شيوخها ..
و ما قصة الحلاّج عنّا بغائبة و مدارس البهائية و البابية و القاديانية لها تطلعات لتأليه بابها الاعظم و انتظار عودته ..
و الهنود ينتظرون كريشنا بعد سباحة مضنية في نهر الغانج لتطهير أمته مما طرأ عليها من ادران ..
و من جميل ما قرأت أن أحدهم كان ينكر ظهور ما فقال لشيخه الشافعي: أنه لا يؤمن بذلك. ثم اردف و أن ظهر ماذا أفعل ؟؟قال الامام الشافعي ” إتبعه و لا تستغفر ” لأن كل عودة و نزول و ظهور ليست من الأركان الإيمانية ..
و لم نزل منذ قرون تجمدت في عروق الزمن اتباع كل فئة يؤكدون و أمامهم فئات تدحض ذلك ،،و كم سالت حروب و دماء بين مؤمن و منكر!!
… ملهاة و خصومة تتحكم بالمريدين و اضدادهم …
و معظمنا على انتظار ،و قطار الزمن يسابق علامات الساعة صغيرها و كبيرها ..
غير أن عودة أكيدة باتت قريبة لأنها تحمل كل البشائر فعلا و قولا .
عودة ربما تأتينا من بشارة غمامة مثقلة بماء الجهاد ، و لعلها تأتينا و نشهدها و نشهد لها و عليها مع بواكير ازهار الربيع القادم ،و ربما في رياح تحمل البشائر تنزع من طريقها طواغيت و قتلة و تستقر في جنبات المسجد الأقصى و محرابه في سجدة شكر ..
عودة ارتوت كما التراب من دماء طهورة و ألوف سكنوا جنة المقابر بانتظار صافرة الفرح بتحرير المسجد الأقصى…
إنها المعشّقة بالدمع و القهر و الصبر لشعب الجبارين ،الذين أظهروا القضية أولوية مطلقة على الرغم من مرور عشرات السنين العجاف …
و لعلها في مشهد تلفزيوني في الهدنة اليتيمة عندما اصطادت عدسة مصور عجوز يبكي على اطلال منزله ، و بعد سؤال من المذيع أنه لا يبكي لفقده عائلته و لا منزله ولا جيرانه ،و لكنه يفعل ذلك خوفا أن يموت ميتة طبيعية و لم يحظ بوثيقة شهادة…
أنها العودة المنتظرة بها نؤمن وكل ينتظر عودة من يشاء …
و لو شاء ربّك لجعل الناس أمة واحدة …..
الشراع
كلمة من الشراع
نعترف اننا لا نستطيع اللحاق بنسر يحلق ، واكثر ما نقدر عليه هو ان ننظر اليه في عليائه فارداً جناحيه كمظلة ، نحتمي بها من شمس السماء الحارقة ،وهو يرانا من تحته طيوراً تحاول مجاراته تحليقاً عبثاً عبثاً يا فلك ، يا نسر الكتابة يا يمامة التعبير يا عصفورة اللطافة
حسن صبرا
الوسوم
فلك الرافعي
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشراع بقلم/ د. فلك مصطفى الرافعي







