الثقافة و مقبض …المسدس !!

الثقافة و مقبض …المسدس !!

كان وزير الدعاية في زمن النازية “جوزف غوبلز” يقول : ” كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مقبض مسدسي” ! في العاشر من مايو عام 1933 أحرق النازيون كل كتاب سطره يهودي أو شيوعي أو اشتراكي أو ليبرالي وأحرفت كتب انشتاين وكارل ماركس وهيلين كيلر أشهر أمريكية صماء وعمياء دافعت عن حقوق ذوي الإعاقة ومؤلفات “إرنست هيمينغواي” الأمريكي وفيكتور هوغو الفرنسي وجوزيف كونراد الإنجليزي وماكسيم غوركي الروسي…والقائمة طويلة ! كانت النازية ترى أن القراءة “الرشيدة” هي أن تتصفح كتابا يكون عنوانه :” عاش الفوهرر زعيم الرايخ الثالث هتلر الأول” !! أرسلت مقالا كتبه زميل إلى صديق لم يعجبه محتواه، أو ربما، لم يعجبه أن أشخاصا مازالوا يكتبون فأرسل لي رسالة نصية يقول فيها :” أنا لا أقرأ لهؤلاء أو لغيرهم “! اتصلت به هاتفيا وقلت له أنه يخالف أمر الله، فصرخ من الرعب قائلا :”شنو” ؟! أكملت له جملتي وهي أن أول سورة نزلت على نبينا خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كانت سورة العلق، وأول كلمة فيها هي : ” اقرأ” وقد جاءت هنا بصيغة الامر وليس بصيغة الاختبار،

وحين يقول كائنا من كان إنه لا يحب القراءة فكأنه يخالف أمرا إلهيا.. والعياذ بالله!! نصحت الصديق أن يقرأ كل شيء، يقرأ في الاشتراكية والماركسية والرأسمالية والبراغماتية وحتى النازية ! قلت له : اقرأ في كتب الأديان السماوية، اقرأ التلمود، اقرأ “الجحيم” لدانتي، اقرأ بالفلسفة لـ”شبينغلر”، و “شوبنهاور” وغوته” “وغوستاف لوبون”، اقرأ “لكولن ويلسون ” ! اقرأ عن نظرية النسق الاجتماعي عند “تالكوت بارسونز”، اقرأ “للفارابي” و”إبن رشد” و “المراغي ” و”العقاد” و “طه حسين” و ” نجيب محفوظ” و”العقد الفريد لابن عبد ربه” وحتى.. “عودة الشيخ إلى صباه” لمؤلفه الذي لا يعرفه أحد…حتى يومنا هذا !! وإقرأ “لبهاء الدين الأبشيهي” صاحب كتاب “المستطرف في كل فن مستظرف” !!

قلت للصديق أنني لو لم أقرأ لما استطعت الإمساك بالقلم، وإن أردت أن أكتب سطرا لابد أن أقرأ صفحة، وإن رغبت بكتابة صفحة فلا بد أن أقرأ كتابا !! العقل المنفتح والمستنير والمحصن هو الذي يقرأ صاحبه عن الشيوعية فلا يصبح شيوعيا، ويقرأ عن الإلحاد فلا يلحد، ويقرأ عن الشعوذة فلا يتشعوذ! قبل سنوات بعيدة وصلت مطار الكويت قادما من لندن ومعي 20 كتابا اشتريتها من مكتبات عاصمة الضباب، وعند كاونتر الجمارك فتح المفتش حقيبتي و صار يفتشها فسألته عما يبحث فقال : “عن بطول خمر ” ! لم يجد خمرا بل وجد كتبا فأغلق الحقيبة

وقال : “الله وياك” !! زجاجة الخمر تسطل الدماغ لبضع ساعات و تغيبه عن الإدراك لكن حين ينام صاحبه و يستيقظ صباحا يعود عقله و إدراكه وحسه كما كان بلا ” سطلة ولا تغييب” لكن قراءة كتاب لمن عقله على أده” – من الممكن أن تغير له مجرى حياته بأكملها !! قال مفكر كويتي طوشنا و صدع رؤوسنا بمقابلاته عبر منصات التواصل الاجتماعي أنه اشترى “كراسة” – كراسة و ليس كتابا – لكاتب بريطاني هو “بيرتراند راسل” الذي صنف نفسه على أنه ليبرالي و اشتراكي و داعية سلام لكنه كان يصف حاله بأنه غير مقتنع بأفكاره هذه !! تحول في أواخر حياته إلى شبه ملحد حين قال : “إن الدين و النظرة الدينية تعملان على إعاقة المعرفة و تعزيز الخوف عند الناس” !!

ومع ذلك استطاع “راسل” بكراسته الصغيرة هذه أن يغسل دماغ كويتيا ويجعله ينتقل من الليبرالية ذات الدشداشة الطويلة والذقن الحليق إلى الدشداشة المقصملة واللحية المتدلاة إلى ما دون العانة… بقليل ! بريطاني شبه ملحد صنع داعية شبه عاقل! أطلب من كل مسلم على وجه هذه البسيطة أن يطيع الرحمن و ينفذ أمره في قوله تعالى : ” اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لا يعلم ” صدق الله العظيم

فؤاد الهاشم
جنيف

مجلة الشراع الإلكترونية

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *