لماذا تتلاقى بكركي مع معراب؟

لماذا تتلاقى بكركي مع معراب؟

مرسال الترس

موقع “الجريدة” في ٢٠٢٥/٧/٢٧
توقفت الأوساط السياسية باهتمام مؤخراً، وبالتزامن مع الاشتباك السياسي حول كيفية وجوب انتخاب المغتربين، عند مواقف أطلقها الصرح البطريركي الماروني، إن عبر القادة الروحيين في لبنان وعلى رأسهم البطريرك بشارة الراعي، أو من خلال بعض مطارنة الطائفة في بلاد الاغتراب المنتشرة على مساحة كل القارات. وهذه المواقف تبنّت التوجهات السياسية لحزب “القوات اللبنانية” بشكل لا يحمل أي التباس!

في قانون الانتخابات النيابية، المعمول به منذ عدة دورات انتخابية، تشير المادة 112 منه إلى أن المغتربين يتمثلون بستة مقاعد نيابية موزعة على القارات التي يوجد فيها مغتربون. ولكن تم تعليق تنفيذ هذه المادة ـ التي لم تنفذ أصلاً ـ في آخر دورتين انتخابيتين في العامين 2018 و2022. لكن “القوات اللبنانية” تُصّر، ومعها بعض الأوساط المسيحية، على إلغاء هذه المادة بالكامل، والسماح للمغتربين بانتخاب كل النواب في لبنان، كلٌ وفق الدائرة التي ينتمي إليها، وذلك لأنها استطاعت من خلال التجييش الذي اعتمدته في الاغتراب المسيحي، والدعم الذي حصلت عليه من جهات خارجية معروفة، على تصدر التكتلات المسيحية من حيث عدد النواب الذي حصلت عليه. لكن تكتلات مسيحية أخرى تؤيد الإبقاء على هذه المادة، لأن حذفها ستكون له تأثيرات كبيرة لدى الطوائف والمذاهب الأخرى. ولكن البطريرك الراعي، وفي أكثر من عظة وموقف، شدّد على تأييد إلغائها، وتحديداً في إحدى المناسبات الدينية التي كان يشارك فيها رئيس الجمهورية جوزاف عون، وهو ما اعتبره كثيرون أنه بمثابة تفجير “قنبلة سياسية” بوجه العهد أولاً!

وانطلاقاً من ذلك، تُطرح أسئلة عن الأسباب الحقيقية التي تدفع بأعلى مرجعية دينية مارونية أن تكون أقرب إلى الطروحات السياسية التي تطلقها “القوات اللبنانية”، بدل أن تكون على مسافة واحدة من جميع المسيحيين، وتالياً اللبنانيين، وتترك لهم حرية اختيار القانون الأنسب للجميع.

وقد انضم إلى هذا التوجه، وبقوة، مطارنة الطائفة في الاغتراب. حتى أن بعض الأصوات ذهبت إلى حد مطالبة بكركي بفرض “حُرم” على أي نائب أو سياسي لا يؤيد توجهها!

الوقائع التاريخية تشير إلى أن هذا المنحى من أعلى مرجعية مارونية ليس مستجداً، بل يعود إلى نحو نصف قرن، منذ نشأة “القوات اللبنانية” كميليشيا مسلحة في أواخر سبعينيات القرن الماضي بعد أن “تفرعت” عن حزب “الكتائب” برئاسة نجل مؤسس الحزب بشير الجميّل، قبل أن تتحول إلى حزب بعد الإمساك بزمامها من قبل أحد عناصرها منذ التأسيس سمير جعجع.

وعلى هامش حرب السنتين التي انطلقت في 13 نيسان 1975، ظهرت شخصية رهبانية إلى جانب “المقاومة المسيحية” آنذاك ضد الوجود الفلسطيني المسلّح، تمثلت برئيس الرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي شربل قسيس الذي وضع كل إمكانات الرهبنة بتصرف تلك “المقاومة المسيحية”، وأصبح عضواً في “الجبهة اللبنانية” التي تألفت من كبار قادة الطائفة، لتقرّر بإسمها.

هذا التوجه لم يترك الصرح البطريركي بعيداً عن التأثر، لكن ليس في ظل البطريرك انطونيوس خريش الذي دفع ثمن مواقفه عبر اغتيال أحد أقربائه من رجال الدين المونسنيور البير خريش بصورة غامضة. ومع وصول البطريرك نصر الله صفير، تبدلت الصورة كلياً عن مرحلة البطريرك خريش، وبات الصرح “محل تهكّم” في هذا الإطار، واستمرت المسيرة مع البطريرك الحالي الذي لم يفوّت مناسبة إلاّ ويعبر فيها عن قناعته، فهو يشارك حضورياً في “مهرجانات الأرز”، مع انها خطوة مسبوقة في تاريخ الصرح، حتى أنه قال لجعجع في مناسبة عيد القديس شربل في بلدة بقاعكفرا: “حيث يكون العيد”!

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *