لبنان خارج الضمانات دائما!
مرسال الترس
موقع “الجريدة” في ٢٠٢٥/٨/٢١
من المتعارف عليه أن التاريخ يعيد نفسه بأوجه مختلفة! وفي هذا السياق يمكن التوقف عند مقاربتين متشابهتين إلى حد كبير:
الأولى حصلت قبل خمسة عقود والثانية بالأمس القريب. ففي الرابع عشر من شهر تشرين الثاني عام 1974 ألقى رئيس الجمهورية اللبنانية سليمان فرنجية خطاباً بالغ الأهمية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دفاعاً عن القضية الفلسطينية، إثر تكليف رسمي من القمة العربية السابعة، على الرغم من أن فصائل “منظمة التحرير الفلسطينية” كانت قد بدأت منذ العام 1969 بالتطاول على السلطة اللبنانية، حيث حصلت مواجهات بينها وبين الجيش اللبناني في أكثر من حقبة بعد توقيع “اتفاق القاهرة” وضغط عربي على السلطة في لبنان.
وحول هذه المسألة البالغة التعقيد كان الرئيس فرنجية يقول دائماً عنها في مؤتمراته الصحافية الأسبوعية أنه كان أمام خيارين أحلاهما مرّ:
إمّا القبول بالمهمة الصادرة عن ملوك ورؤساء دول جامعة الدول العربية مجتمعين، وهو الرئيس المسيحي الوحيد بينهم، ووضع كل الصراعات الدامية مع منظمة التحرير الفلسطينية جانباً، على الرغم من أن القمة لم تقدّم له أي ضمانات ملموسة حول ضبط تصرفات المنظمة لاحقاً. وإما الرفض، وبالتالي وضع لبنان المتخلّف عن تلبية نداء إخوانه العرب في مواجهتهم جميعاً!
وإزاء ذلك كان الرئيس فرنجية يقول: آثرت القبول بالتكليف لأنه أهون الشريّن… ولم تمض سوى بضعة أشهر حتى انخرطت الفصائل الفلسطينية بقوة في الحرب الداخلية التي انطلقت شرارتها في الثالث عشر من شهر نيسان من العام التالي. وبدل أن تسارع الدول العربية لإطفاء النار، تدخلت بعضها من أجل “حماية المقاومة الفلسطينية”، لا بل أنها أرسلت المقاتلين والسلاح في سبيل ذلك. حتى انتهى المشهد الدامي باحتلال العدو للعاصمة بيروت عام 1982 وإخراج مقاتلي المنظمات بالسفن إلى تونس.
وبالأمس القريب، وفيما لبنان الرسمي يسعى للملمة آثار حرب العدو الاسرائيلي على لبنان وتصفية أي مقاومة على أرضه، بينما جيش الاحتلال لم يتوقف يوماً منذ نحو سنة كاملة على استباحة الأجواء اللبنانية، لم يتحمل الموفد الأميركي توم براك إعطاء أي ضمانات لكف العدوان عن لبنان، فيما كان رئيسه في واشنطن دونالد ترامب يجاهر بإعطاء الضمانات للرئيس الأوكراني فولودومير زيلنسكي من أجل القبول بما اتفق عليه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة ألاسكا، بينما كان الرئيس اللبناني جوزيف عون يقول في بيروت إن”لبنان، وإزاء الورقة الأميركية كان أمام خيارين: إما الموافقة أو العزلة”!
ولا يتعجب أحد إذا أدار “الكاوبوي الأميركي” ظهره غداً لمن يسمون أنفسهم بالحلفاء له، حتى يزيد العدو من عربدته في الشرق الأوسط وينفذ حلمه بـ”اسرائيل الكبرى!