لوحة وقصة

لوحة وقصة

في أحد الأزقة الضيقة لبلدة فرنسية قديمة، حيث يقف الزمن وكأنه في حالة تأمل دائم. تصور لوحة “بائعة الفصول الاربعة” للفنان ماري فرانسوا فيرمين جيرار (1838- 1921) مشهداً من القرن التاسع عشر، حيث الحياة تمضي بوتيرتها البسيطة بعيداً عن تعقيدات العصر الحديث.

في المقدمة، تظهر امرأة تعمل بائعة متجولة، امام عربة مليئة بالخضروات والفاكهة الطازجة، وهي تنظر بثقة وثبات. تفاصيل العربة، بما فيها من تنوع في المنتجات تضفي على المشهد واقعية حية، تجعلك تكاد تشم عبير الفاكهة الطازجة.

الأزقة المحيطة تحمل عبق الماضي، بجدرانها الحجرية التي يبدو عليها أثر الزمن، وأسقفها المائلة التي تعكس دفء العمارة الريفية الفرنسية. نرى أشخاصاً في خلفية المشهد: امراة تطل من النافذة تبدو وكأنها في حوار مع البائعة المتجولة، ربما تسألها عن الأسعار أو تعرض عليها شراء شيء من بضاعتها. هذه اللحظة العابرة، التي قد تبدو بسيطة، تعكس جزءاً من التفاعل اليومي في تلك الحقبة.

نرى في اللوحة ايضا طفلة تقف عند الباب، تنظر إلى الخارج بفضول بريء، بينما كلب يتجول في هدوء، وكأنه جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية. أما الرجل في الخلفية، فوجوده يُثير التساؤل. يبدو منهمكاً في عملٍ ما، ربما يغسل أو ينظف شيئاً عند مدخل منزل أو متجر. حركة جسده تشير إلى انشغاله في عمل يدوي بسيط، مما يعطي عمق وواقعية اكثر للوحة.

الفنان فيرمين جيرار تمكن من تخليد لحظة عابرة من الماضي، لحظة قد تبدو بسيطة وغير ملحوظة، لكنها تحمل روح زمن كامل لم نكن لنعرف عنه شيئاً لولا فرشاته. من خلال دقته الواقعية وأسلوبه الذي يفيض بالحياة، أعاد تشكيل مشهد من القرن التاسع عشر، وجعلنا نشعر وكأننا نعيش تلك الحقبة. تفاصيل اللوحة الدقيقة، من عربتها الممتلئة بالخيرات إلى الأرضية المتهالكة والوجوه التي تبدو مألوفة رغم غربتها، تدفعنا إلى التمني لو أننا كنا حاضرين هناك، نسمع أصوات الباعة، نشم عبق الخضروات الطازجة، ونشعر ببرودة الهواء على وجوهنا.

عن صفحة الفنان محمد نابلسي

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *