من هو البطريرك الياس بطرس الحويك؟
ولد الياس حويك في حلتا ، البترون ، شمال لبنان في 4 ديسمبر 1843. درس في كلية مار يوحنا مارون الإكليريكية في شمال لبنان. ذهب لاحقًا إلى إكليريكية غزير اليسوعية في عام 1859، حيث درس اللغات (الفرنسية والعربية والسريانية واللاتينية واليونانية ) وكذلك الفلسفة. في عام 1866، ذهب إلى روما لدراسة اللاهوت في بروباغندا
سمّاه المؤرخ الخوري أنطوان الدويهي في كتابه الذي ألفه بهدف توثيق حياة البطريرك «رجل العظائم»، وسمّاه البطريرك بشارة بطرس الراعي «بطريرك الاستقلال ولبنان الكبير».
سافر في 8 مايو 1890 إلى روما بناءً على طلب البطريرك الحاج طلبًا لدرع التثبيت وليشرف على ترميم وإعادة افتتاح المدرسة المارونية فيها والتي كان قد دمرها نابليون الأول، وهناك التقى البابا ليون الثالث عشر عدة مرات في 15 يونيو و23 يوليو و2 أغسطس و10 أغسطس، لمناقشة تنشيط المدرسة المارونية في روما؛ ثم غادر إيطاليا في 12 أغسطس متوجهًا إلى فرنسا، ومعه رسالة توصية من البابا لجمع التبرعات للمدرسة، وأنفق فيها تسعة أشهر (من 24 أغسطس 1890 وحتى 24 مايو 1891)، وخلال زيارته التقى رئيس الجمهورية الفرنسية ورئيسي مجلس النواب ومجلس الشيوخ الفرنسيين ووزير الدفاع والعديد من الكرادلة والأساقفة ذوي الوزن، في كل أنحاء فرنسا، وقد كان من نتائج زيارته إلى فرنسا تأسيس كنيسة مارونية في باريس ومركز للخدمات الاجتماعية للموارنة، وعلاوة على ذلك حصل على دعم من الحكومة الفرنسية لتعليم ثمانية طلاب مجانًا في مدرسة سان سولبيس في باريس وفي المدرسة المارونية في روما؛ خلال زيارته زار بواتييه وليل وروان وغيرها من المدن، عمد خلالها إلى الوعظ في الكنائس، وحشد الأصدقاء، لإقناع مختلف شرائح المجتمع بالتبرع لصالح المدرسة المارونية في روما، ولدى عودته إلى روما كان قد جمع المال اللازم لذلك.
بعد إيطاليا وفرنسا، زار الحويك النمسا والتقى الإمبراطور جوزيف الأول، ثم زار إسطنبول والتقى السلطان عبد الحميد الثاني الذي منحه الوسام المجيدي من الدرجة الثانية ونفحه مبلغ عشرة آلاف ليرة عثمانية لصالح المدرسة المارونية في روما، ثم قابل الصدر الأعظم وشخصيات بارزة عديدة في الباب العالي، واستطاع خلال لقائه مع السلطان في تسوية العديد من المشاكل المتعلقة بالطائفية المارونية ومتصرفية جبل لبنان.
في 13 مايو 1892 انطلق في زيارة ثانية من بيروت نحو القدس حيث شارك في أعمال «المجمع الأورشليمي» المحلّي في المدينة، ثم الإسكندرية فبحرًا نحو روما حيث التقى البابا في 8 يونيو و9 يوليو، وخلال زيارته هذه تم تدشين المبنى الجديد للمدرسة المارونية في روما وذلك يوم 1 يناير 1894، على أن تتلقى المدرسة اثني عشر طالبًا من الأبرشيات المارونية المختلفة: بشري وحلب وطرابلس وجبيل وإهدن وبعلبك وبيروت ودمشق وقبرص وصور وصيدا، وبالتالي كان ذلك نجاحًا ملحوظًا للمشروع الذي شرع به مذ ترقيته لمنصب الأسقفية.
بعد عودته إلى لبنان، أطلق مشروعه الجديد المتمثل في إنشاء رهبنة جديدة منظمة وفق التنظيمات الرهبانية الحديثة، بمساعدة من الأم روزالي نصر، وتمخض عن ذلك ميلاد «راهبات العائلة المقدسة المارونيات» وذلك في صيف 1895 من جبيل، وتم الاحتفال بإنشائها رسميًا في عبرين عام 1896. وعمومًا فإنه أنشأ رهبنة أخرى للرجال هي رهبنة قلب يسوع وذلك في أغسطس 1920 ومركزها إهدن بعد أن غدا بطريركًا، وينقل المؤرخون أنه خلال سنوات أسقفيته كان مفعم الحيوية في نشر التعليم المسيحي، وتنظيم الأسرة وتثقيف الكهنة ونيل الدعم من المؤسسات الدينية المختلفة في أوروبا.
آخر رحلة للحويك قبل أنتخابه بطريركًا كانت إلى روما وامتدت زهاء العامين من أبريل 1897 إلى ديسمبر 1898 بهدف الإشراف عن قرب على عمل ونشاط المدرسة المارونية في روما، وخلال زيارته زار أيضًا فرنسا وبلجيكا.
في 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى وفي عام 1915 ألغى العثمانيون نظام متصرفية جبل لبنان وكذلك الامتيازات الأجنبية، كذلك حصار العثمانيون جبل لبنان وانتشر وباء المجاعة فيه كما في شمال سوريا ومات ثلث السكان من الجوع؛ حاول جمال باشا الملقب «بالسفّاح» نفي البطريك الحويك لكنه فشل في ذلك، ثم طلب مقابلته في مقره الواقع في صوفر يوم 13 يوليو 1915، وتم اللقاء يوم 21 يوليو ودار بشكل أساسي حول علاقة الكنيسة المارونية مع فرنسا، برر البطريرك بأن العلاقة بين الكنيسة وفرنسا هي علاقة مودة وهي شبيهة بعلاقة الدولة العثمانية مع فرنسا التي ترتبط بعلاقات وثقى مع الدولة منذ عهد فرنسوا الأول (1494 – 1547).
مع انتشار أسراب الجراد في جبل لبنان «حتى حجبت الشمس»، فتح البطريرك الحويك أموال البطريركية المارونية وأمواله الخاصة لمساعدة وإطعام الفقراء، ويذكر أن مقر البطريركية ذاته كان أحد مراكز الحشود لتوزيع الطعام، حصل البطريرك أيضًا على معونات مالية من المغتربين اللبنانيين ومن الحكومة الفرنسية عن طريق مفوضها في أرواد، ويذكر أن الأب بولس عقل ان يقوم بدور الوسيط بين أرواد وبكركي خلال تلك الفترة. في مايو 1916 وبعد حوادث الإعدام في بيروت ودمشق طلب جمال باشا لقاء البطريرك للمرة الثانية، ثم مرة ثالثة في بحمدون خلال يوليو 1917 وخلاله طلب جمال باشا مكوث البطريرك في بحمدون لفترة من الزمن، وأقام فيها من 25 يوليو وحتى 14 أغسطس 1917. في بداية 1918 احتجز جمال باشا البطريرك في قرنة شهوان ثم تم إطلاق سراحه بعد تدخل الفاتيكان وإمبراطور النمسا.
أخيرًا في 28 سبتمبر 1918 خرج العثمانيون من بلاد الشام، ورفع العلم العربي فوق سراي بيروت وبعبدا ثم أنزل في 6 أكتوبر واستبدل بعلم فرنسا بعد احتلال جيوشها لساحل بلاد الشام. حاولت فرنسا عن طريق مراسلات بين بكركي وجورج بيكو إقناع البطريرك بمحاسن الإبقاء على الوحدة مع سوريا، لكن جواب البطريرك كان حازمًا بطلب الاستقلال الكامل؛ وقد أفضى مؤتمر فرساي في باريس إلى تشكيل لجنة كينغ – كراين لاستقصاء رغبات سكان بلاد الشام، وقد قابلت اللجنة الحويّك في يونيو 1918 وقدّمت توصياتها باستقلال لبنان، وذلك حافظًا على رغبة أبنائه من صور إلى طرابلس. في أغسطس سافر الحويك على رأس وفد لبناني لحضور الجلسة الثانية لمؤتمر الصلح، ولقب حينها “بطريرك لبنان” للإشارة إلى التفاف اللبنانيين مسلمين ومسيحيين حوله، وخلال زيارته طالب البطريرك مجددًا استقلال لبنان. مكث الوفد في باريس أربع أشهر، وعندما عاد إلى بيروت كشف البطريرك عن رسالة من رئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو مؤرخة في 5 يناير 1920 تفيد بدعم فرنسا “استقلال لبنان” ثم قبل فيصل الأول ملك المملكة السورية العربية استقلال لبنان بموجب اتفاق “فيصل – كلمنصو” المؤرخ في 6 يناير 1920، وخلال الفترة نفسها احتلت الجيوش الفرنسية كلاً من بعلبك وراشيا وحاصبيا والبقاع الغربي التابعة لولاية دمشق تمهيدًا لضمها إلى لبنان؛ وعمومًا فإن المؤتمر السوري العام رفض فصل لبنان (كما رفض أي تقسيم لبلاد الشام أو “سوريا الكبرى بما فيها فلسطين وكيليكيا) واعترف في جلسة إعلان الاستقلال بالحكم الذاتي وفق قواعد المتصرفية في 7 مارس 1920، يذكر أن عددًا من الموارنة ومنهم سعد الله الحويّك شقيق البطريرك قد شارك في مبايعة فيصل، غير أن البطريرك كان حاسمًا في طلب استقلال لبنان وهو ما أقره مؤتمر سان ريمو في أبريل 1920. ويقول يوسف السودا في كتابه «في سبيل الاستقلال» أن الحركة اللبنانية حركة قويّة تشمل الجبل والأقيالم المحيطة به، وقال أيضًا أن مجلس الإدارة يحبذ الاستقلال ولكن الكرسي البطريركي عزيمته أشد من المجلس والشعب في طلب الاستقلال؛ يقول السودا أيضًا أن جميع أهل لبنان كانوا يتظاهرون طلبًا للاستقلال أو الموت، وهم حاضرون للثورة ضد فرنسا حتى في حال لم يمنحوا الاستقلال.
في 28 يوليو سقط الحكم الفيصلي في دمشق، وفي 31 أغسطس 1920 أعلن هنري غورو ميلاد دولة لبنان الكبير تحت الانتداب الفرنسي من قصر الصنوبر في بيروت وبقربه وقف البطريرك ومفتي بيروت، الشيخ مصطفى نجا
ويكيبيديا

