صناعة الذات في زمن التبعية
بقلم/أ. عبده معروف
في هذا العصر الذي تداخلت فيه الأزمنة وتمازجت فيه القيم، تصبح صناعة الذات مهمة وغاية في حد ذاتها، فتلك الذات التي تصنع بيدها وتتشكل من رحم المبادئ التي تسكننا، هي التي لا تذل ولا تهون، بل تقاوم الطوفان، تقاوم الضياع، وتبني أمةً تحتضن المجد في صدرها ولا تخاف من الانكسار،، نعم، إن ما أصابنا من ضعف وهوان هو نتيجة حتمية لما تم تعبيته في عقولنا من أفكار وأيديولوجيات مستوردة، يتماشى معها الفكر الغربي، الذي لم يكن يوماً نابعاً من وجداننا أو مناسبا لطبيعة ديننا الحنيف، فالأمة التي كانت في يوم من الأيام ملهمة للأمم، أصبحت الآن في ذيل القائمة، تقودها أفكار غريبة عن قيمها وثوابتها، كيف لا، وقد أصبحنا أمة تُصنع عقولها في مصانع الفكر الغربي؟
كيف لا، وقد تعثرت خطانا في طريق العودة إلى النور، وتخلينا عن معالم هويتنا الإسلامية؟، إنه الصراع، صراع الهوية، الذي تمثل في أبشع صورة في صمتنا تجاه ما يحدث في غزة، هناك حيث القتل والتدمير، والموت الذي يسرح ويمرح في أزقتها وشوارعها، ونحن على مقاعدنا نشاهد بأعين مشوشة وقلوب غارقة في الغفلة، وفي تلك اللحظات، ندرك تماماً أن الغرب لم يكتفِ فقط بسرقة أراضينا وثرواتنا، بل شرع في سرقة عقولنا أيضًا، فأنشأ لنا عقولاً متوافقة مع فكره الاستعماري، لا ترى في القدس إلا جزءاً من حرب ضروس، ولا تتنبه لمعاناة غزة إلا كأنها مشهد بعيد لا يثير سوى التسلية، ولكن الأمل لا يزال ينبض في قلوبنا، والنور الذي بدأ ينقشع في الأفق يدلنا على الطريق الصحيح؛
والطريق يبدأ بخطوة واحدة، وهي أن نصنع ذاتنا من جديد، أن نعتز بديننا، أن نتبنى قيمه، وأن نحرر أنفسنا من تبعية الغرب، التي طالما أضلتنا، فصناعة الذات تبدأ من داخلنا، من أفكارنا، من مبادئنا، ومن ارتباطنا الوثيق بما يفرضه علينا ديننا من مسؤولية تجاه أنفسنا وأمتنا، فيا رفاق الدرب، أيها الجيل الذي حمل الأمانة في قلبه، اعلموا أن أمتكم لا يمكن أن تستعيد مجدها إلا بكم، فعليكم أن تخرجوا من الظلمات التي فرضها البعض على أمتكم، وتعيدوا النور إلى أفقها، عليكم أن تتحرروا من قبضة الفكر الغربي، وأن تجعلوا من تعاليم دينكم مرشدًا لكم في دروب الحياة؛ فبقدر ما نحرر عقولنا، بقدر ما نصنع مستقبلاً أكثر إشراقًا لأمتنا.
إن الفكر الغربي قد زرع فينا بذور التبعية، وحاول أن يضعف من عزيمتنا ويقوض من قوتنا، ولكن أمتنا لا يمكن أن تموت، ولقد تمسكنا بقيمنا ورسخ في قلوبنا أن الإسلام هو منهج حياتنا، وأن من لا يعرف قيمة نفسه وقيمة دينه لن يكون قادرًا على بناء مستقبل يليق به؛ فلنصنع ذاتنا، لتصنع الأمة معها، ولتكن قيمنا هي عماد هذا البناء، ولا تلتفتوا إلى الضوضاء التي يثيرها أعداؤنا، ولا تُصغوا إلى الأصوات التي تروّج للتبعية، فنحن أبناء هذه الأرض، ونحن أحفاد الذين فتحوا الدنيا بعقولهم وأخلاقهم، فلنصنع من أنفسنا منارة للأمة، ولنعرف أن كل خطوة نخطوها على طريق البناء ستكون حجرًا في صرح عظيم من النهضة والتمكين؛ والمستقبل لهذا الدين، وصناعة الذات هي الخطوة الأولى نحو هذا المستقبل الذي نطمح إليه، فإذا صنعنا أنفسنا، وحررنا عقولنا من التبعية، ستكون أمتنا التي ترفع راية الحق، وتجدد للعالم مثالاً يُحتذى به، فكونوا رُسل النور، صُنّاع التغيير، الذين يعيدون لأمتهم عزّها وشرفها، ويكونون الأمل الذي يضيء الطريق نحو المستقبل.