الامتناع عن الانتخاب هو انتخاب مبطن للآخرين
أذكر في انتخابات باكستان القديمة التي ربحت فيها الشيوعية الإسماعيلية بناظير بوتو
أن مجموعة اسلامية كبيرة قررت مقاطعة الانتخابات ونظمت مجلس ذكر على النهر شارك به ملايين المسلمين.
يومها قاضي حسين أحمد رئيس الجماعة الاسلامية في باكستان قال
سامحهم الله لقد انتخبوا بناظير من حيث لا يدرون …
وهذا ما حصل بالفعل فقد فازت وحكمت باكستان وحاولت تغيير وجهها الاسلامي.
ويبدو أن شيئا قريبا قد حصل في انتخابات طرابلس ..
معظم الطرابلسيين احجموا عن المشاركة في الانتخاب لاعتبارات متعددة منها أنهم ملوا من البلديات الفاشلة ومنها عدم الاهتمام ومنها أنهم يشعرون بعدم قدرتهم على التغيير ومنها لتشتت اللوائح . ومنها لأنهم يحرمون الانتخاب.
وبالفعل امام عزوفهم هذا في مقابل اندفاع الآخرين بكثافة للانتخابات كبلوك كامل افقد الأكثرية الطرابلسية مكاسبها وحصدت السلطة التقليدية معظم مخاتير التبانة والزاهرية وبلديات طرابلس والميناء وتمكن الأحباش والعلويين من الحصول على حصة الأسد ..
فإلى كل من يظن أن الوقوف على الحياد نجاة،
إلى من يرى أن العزوف عن الانتخاب موقف لا ضرر فيه…
أقول: اعلم أن عدم الانتخاب هو في حقيقته انتخاب، لكنه انتخاب غير مباشر، قد يصبّ في مصلحة من لا يستحق، ويمنح القوة لمن لا يمثل إرادتك، دون أن تشعر.
ما جرى في طرابلس شاهد بيّن:
حين امتنع أكثر من نصف الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم،
كانوا يظنون أنهم ابتعدوا عن القرار، لكن الواقع أنهم تركوا القرار لغيرهم ،
فحُسمت النتائج بغيابهم ،
وساهموا، من حيث لا يدرون، في فوز من لا يمثلهم.
إن العزوف عن الانتخاب لا يُبطل النتيجة، بل يُمكن أطرافًا معينة من الوصول، لأنهم وحدهم ذهبوا واختاروا، بينما الغالبية بقيت صامتة، وصوت الصامت في السياسة يُحسب على غير ما يظن.
فليحذر كل من لا يريد ان ينتخب
أن صمتك ليس براءة، بل شهادة غياب تؤخذ ضدك،
وأن الورقة التي لم تضعها في الصندوق، قد فُسّرت على أنها لا تمانع بمن فاز.
فكن حاضرًا، وكن واعيًا،
فصوتك أمانة، والتفريط فيه تفريط بمستقبل مجتمعك.