الأضحية بين القربان والفداء
وقفة إجلال لقلم العلامة مصطفى الرافعي عبر كريمته الدكتورة فلك الرافعي
في مايو 28, 2025
موقع عروبة الإخباري
كتب طلال السُكر
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في زمن قلّ فيه الجمع بين عمق المعرفة وسكينة الإيمان، وبين أصول الفكر وروحانية الذكر، تطلّ علينا الدكتورة العلّامة فلك مصطفى الرافعي، بمقالها البديع تحت عنوان “الأضاحي وحديث القرابين”، كقطرة نور تنبع من معين العلم الرباني، لتعيد إلى الأذهان ما اندثر في ضجيج الماديات: أن الشعيرة لا تحيا إلا إذا سكن فيها المعنى، وأن الطقس لا يسمو إلا إذا تنزّه عن العادة إلى العبادة.
إن قلم الدكتورة فلك ليس مجرّد أداة فكرية، بل هو مرآة لقلبٍ يقرأ النصوص بعين المحبة، وعقلٍ يزن الأحداث بميزان المقاصد. فهي لا تكتب لتسرد، بل لتوقظ؛ ولا تستشهد لتزخرف، بل لتفتح أبوابًا من الفهم العميق، وتعيد ترتيب العلاقة بين الإنسان والسماء في ضوء النص المقدس، والتاريخ النبوي، وسُنن الله في خلقه.
لقد جاء مقالها تحليلًا راقيًا يتجاوز الحرف إلى المعنى، ويربط بين أول قربان في التاريخ، وبين لحظة الذبح العظيم في قصة الذبيح إسماعيل، ربطًا يليق بعالمة متبحّرة في الفقه، واعية بأبعاد الوحي، ومستبصرة بأن وراء كل آية رسالة، ووراء كل سُنّة حكمة تتجاوز الظاهر إلى باطن الحياة.
وما أروع خاتمة مقالها، حين جمعت في عبارة واحدة المعادلة بين العهد القديم والعهد الجديد في العلاقة مع السماء:
“كانت المعادلة القديمة تقديم القرابين للسماء، وفي فتح صفحة جديدة نزل الفداء من السماء…”
عبارة لا تكتبها يد فحسب، بل يُمليها وجدان مفعم بإدراك مقاصد الله، ووعي عميق بمسيرة الإنسان نحو النور.
الدكتورة فلك، بحضورها العلمي الراسخ، وخطابها الموشّى بجمال البيان، تكتب ما يعجز عنه الكثير من المنابر المعاصرة: أن تُعيد لخطابنا الديني هيبته، ولشعائرنا روحها، ولنفوسنا توقها لرضا الله.
ولأنها ابنة مؤسسة علمية، وروحانية أصيلة، فإن كلماتها لا تُقرأ فقط، بل تُتذوّق كما يتذوّق المؤمن خلوته مع ربه في لحظة صفاء.
فجزى الله هذه القامة الفكرية والروحية خير الجزاء، وأبقى قلمها منارًا للمحبين، وجعل ما خطّته نورًا على نور، يُضيء دروب الباحثين عن الحقيقة، ويُزهر في قلوب الذاكرين لربهم.
أضحى مبارك، وتقبّل الله من الدكتورة فلك ومنّا جميعًا صالح القربات