بريطانيا.. ليتك لم تزنِ ولم تتصدقِ!
مرسال الترس
موقع “الجريدة” في ٢٠٢٥/٩/٢٥
على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة هذه السنة، تسابقت العديد من دول العالم على الاعتراف بفلسطين كـ”دولة”، بعد سبع وسبعين سنة على اغتصاب أرضها من مجموعات من اليهود تحت شعار أنها “ارض الميعاد” التي وعد الله أجدادهم بها.
ولكن المفاجأة الكبرى أن من بين تلك الدول كان اسم بريطانيا، حيث أعلن رئيس وزرائها كير ستارمر يوم أن بلاده “تعترف اليوم بدولة فلسطين”. معتبراً أن “حلّ الدولتين خطوة عملية لتوحيد شعوب المنطقة”. ولكن سها عن باله أمرين:
الأول، أنه قبل أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها، ويتقاسم المنتصرون فيها تركة الإمبراطورية العثمانية، سارع وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، في الثاني من تشرين الثاني من سنة 1917، إلى كتابة رسالة إلى المصرفي البريطاني وأحد زعماء اليهود في بريطانيا البارون روتشيلد، يَعِدُ فيها بأن بلاده ستدعم قيام “وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين”، وهو ما بات يُعرف بـ “وعد بلفور”.
أما الأمر الثاني الذي سها عن بال ستارمر، هو أنه في الوقت نفسه الذي حاول فيه أن يصحح خطأ أسلافه، كانت حكومة العدو برئاسة بنيامين نتنياهو تبذل المستحيل من أجل إقتلاع أهل قطاع غزة من أرضهم تحت شعار إنهاء “حركة حماس”، وأنها تبشر المستوطنين بأنها ستُخضع أيضاً الضفة الغربية بأكملها لسلطتها.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل سيعمل اليهود على أرض فلسطين من أجل تحقيق “وعد” بريطانيا في العام 2025 ويسمحوا بإقامة دولة فلسطينية كاملة المواصفات، على عكس ما فعلوا سنة 1948 بكل الأساليب المتاحة من أجل اغتصاب تلك الأرض؟ مع الإشارة إلى أن كل المعطيات تؤكد أن كل ما جرى في نيويورك ليس أكثر من ذَرٍ للرماد في العيون، وأن نتنياهو سيرفع شعار “أمن إسرائيل” ليتصرف كما يحلو له. وهذا ما أشار إليه صراحة السفير الأميركي في تركيا والموفد في وقت سابق إلى لبنان توم براك في إطلالة تلفزيونية.
فيا ليت بريطانيا، التي كانت “عظمى”، لم تقترف ذاك الخطأ التاريخي وتقدّم وعدها الأول، حتى لا تُضطر إلى اتخاذ عكسه بعد مئة وثماني سنوات؟ مع كل ما رافق ذلك من مجازر وحروب وصراعات وإزهاق أرواح تُعد بمئات الآلاف من الذين خسروا أرواحهم، ومئات آلاف آخرين من الجرحى والمفقودين، بغض النظر عن المدن والبلدات والقرى التي دُمرت او التي أُزيلت عن الخرائط واستبدلت أسماؤها.
الأمر الذي يذكّر بتلك الرواية التي تقول بأن إحدى النساء التي كانت تمارس البغاء كانت تتصدّق في الوقت نفسه على الأيتام حتى جاء أحد الشعراء ليقول لها: “… لا تزني ولا تتصدقي”.