الاونيسكو، لنا وعلينا!
ان ما تفسده السياسة يصلحه الأدب، فلم يغيب المسؤولون عن العقل اللبناني او يغيبون انفسهم؟!!
في عباب هذا الخضم الاجتماعي، المتلاطم بالأطماع السياسية، والزاخر بالنزاعات الدامية والفواجع المروعة، تنشط روح وادعة سامية، لتبشر بالوفاق والوئام، ولتحض على التسامح والتعاون بين مختلف الأمم والشعوب، مثبتة ان المحبة ركن الوجود، ودعامة السعادة، ونور الصلاح والإصلاح، في عالم مظلم ظالم، وفي دنيا يتحكم في مقدرات سكانها الحديد والنار والنضار.
هذه الروح الوادعة السامية، هي روح الأدب الحي، المنزه عن شوائب الأنانية والاستئثار، والبعيد عن براكين الحقد والشغب، والمحلق في آفاق الدعة والسكينة والانسجام المطمئن.
والأدب الحقيقي النابض بالحياة والكرامة، والمنبثق من صميم التفكير الرزين والصوفية المثلى، خليق بتقويم المعوج، وإصلاح الفاسد، وتعميم النصح والإرشاد، وإذاعة مبادئ الخير والفضيلة، في كل قطر وكل أمة. فالسيطرة الجوفاء ابنة الجهل وصنيعة المادة، ولا سبيل إلى التغلب عليها، بسوى الأدب الحر، لأنه وليد الروح الطامحة، وربيب الشعور الدقيق المرهف.
وعالمنا هذا، الغارق في وحول الفوضى، والمكبل بسلاسل المعضلات، والمستسلم لتيار القوى الجارفة، في حاجة ماسة إلى الروحانية المشعة باللطف والعطف والإشفاق، والى الاستقرار المبني على أسس السداد والرشاد والقناعة والحرمة المتبادلة. فالقنبلة الذرية الفتاكة، لا تصون الحق وتحميه، ولا تزيل الحروب وتحقن الدماء وتضمن السلم الدائم، لان الشر لا يقاوم بالشر، والفساد لا يلاشيه الفساد، وإنما طريق الإصلاح واحد لا ثاني له، وهو تثقيف النفوس ثقافة عامرة بالرفق والمحبة والعدل الشامل الكامل.
ومتى ازدانت نفوس البشر، بمثل هذه الثقافة، تقاربت افكارهم، وتعانقت نزعاتهم ورغائبهم، واتحدت وجهات نظرهم تحت ظلال وارفة من التآلف والتحالف والتكاتف.
كانت رحى الحرب الكونية الثانية تدور وتجور، وكان أفذاذ المفكرين يستعرضون اسبابها، ويدرسون الباعث على إضرام نارها، ويحللون مقدماتها وذيولها وحواشيها، حتى إذا أذن الله، ان تضع أوزارها وتطفي أوارها، كانوا قد اشبعوا هذه المعضلة درسا وتمحيصا، وعلموا علم اليقين، ان وسائل الدفاع عن السلم، يجب ان تقام في الضمائر والنفوس، ففي ثقافة النفس ورقي الضمير، سعادة الجنس البشري، وطمأنينة الكون وازدهاره.
وما لبث ان اقتنع المسؤولون عن سلامة المجتمع ورفاهية الناس، بهذه الحقيقة العلمية الفلسفية، فتبنوها وأيدوها وعمدوا إلى تأسيس منظمة الاونيسكو، لإعتقادهم الوثيق، بانها تستطيع ان تمحو عن جبهة البشرية وصمة الحروب والفواجع، وتكون خير وساطة للتعارف والتفاهم ونشر ألوية التصافي والاتحاد، من طريق التربية والعلم والثقافة.
التضامن الفكري والأدبي، رابطة روحية متينة كم نحن نفتقر اليها فيما نحن قادرون على تحقيقها إذا صفت النيات وحزم المسؤول الغائب امره! ان ذلك التضامن شأنه ان يجمع قلوبنا اولا تحت سماء المعرفة الجامعة الشاملة المانعة. انه يبارك المقاصد بيمين المحبة، ويوجه الألباب إلى الهدف الرفيع الأمثل، الذي تسعى اليه الفئات المزودة كنوز القناعة والوداعة والايمان بالحق الإنساني والعدالة الإلهية.
اين الوزارات ذات التفكير المنهجي القويم المصفى، يجسدون نورا وضاء ، يجلو غياهب هذه الغمرة الحالكة، غمرة ألبؤس والفوضى والتناحر المعيب.
لا بد من ثورة ثقافية تربوية، تستمد قوتها من روح الولاء والوفاء والطمأنينة النفسية. ليس وطننا ساحة حروب وتجارب، وتعدديته القصوى على مساحة صغيرة، سلاح ذو حدين!
ان إدارة منظمة الاونيسكو من حقوقنا وواجباتنا، فلم لا نسعى اليها مكافحة للظلم وإقرارا للسلم الذي هو اولا سلام داخلي لدينا ولسوانا ، وصونا للحرية المسؤولة عبر نقل روائع الفكر العالمي إلى كل لغة ولسان؟ عندئذ، يليق بنا، ان نعتز بابداعاتنا ونباهي بسمو منزلتنا وجلال أثرنا في زمن الإنترنت والذكاء الصناعي وما اليهما.
د.جهاد نعمان
استاذ في المعهد العالي للدكتوراه