حكايه اغنية عا الضيعة يامة ع الضيعة لصباح
وقد سجلت الصبوحة الاغنية مساء الاثنين 4 اكتوبر 1965 في ستوديو بعلبك وبدأ التسجيل في السابعة مساء وانتهى في الواحدة ليلا سبقه ساعة تمارين بحضور مؤلف الاغنية الشاعر توفيق بركات وملحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي حضر خصيصا الى لبنان من اجل الاشراف على تسجيل الاغنية .
كما كان حاضرا في ستوديو بعلبك الفنانة فايزة احمد وزوجها الموسيقار محمد سلطان الذين حضرا جزءا من التسجيل ..
وقبل ان ادخل في تفاصيل ما قالته الصبوحة عن وقائع وصعوبات تسجيل هذه الاغنية اتوقف عند ولادة هذه الاغنية بداية من كتابتها على الورق قبل ان تصل الى عبد الوهاب ومن ثم الى الاستوديو.
تروي اغنية “عالضيعة” قصة حقيقية عايشها مؤلفها الشاعر توفيق بركات شخصياً ، وقد روي انه استوحى هذه الاغنية من قصة حقيقية بطلتها أمراة ضريرة من قريته مزرعة عبود في قرطبا قضاء جبيل، وكانت هذه السيدة في موسم التوت تنزل الى بيروت لبيع محصول ارضها من التوت وكانت ترافقها ابنتها الشابة لتساعدها لانها كانت ضريرة.
وهذه الصبية تعلّق قلبها بشاب كان دائما يشتري التوت منهما في ميناء بيروت وظنت انه هو ايضا يبادلها هذا الحب ، لكنها اكتشفت فيما بعد ان هذا الشاب لا يبادلها نفس المشاعر ولم تعد ترغب بمرافقة والدتها الى بيروت .
وقد روت هذه الفتاة قصتها لإبن ضيعتها الشاعر توفيق بركات الذي استوحي منها هذه الاغنية ومن هنا جاءت جملة ” غلطنا الي بنظرة حبينا يا ريت شوي تروينا” ..
بعد ان كتب الشاعر توفيق بركات الاغنية عام 1964 عرضها على الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان قد طلب منه اغنية لبنانية ليلحنها ويهديها لصباح، واعجب عبد الوهاب بالاغنية واخذها معه الى القاهرة ليلحنها ،
ومضى عام ولم يحدث شيء بشأنها ..
وحين عاد عبد الوهاب في الصيف التالي الى لبنان عاد وطلبها من الشاعر توفيق بركات وقال له : اديني قصيدة الكبوش .. عايز الحنها واهديها لصباح .
وعام 1965 تم اللقاء بين العبقري والملهمة في قصيدة شعرها من لبنان وروحها من مصر وصوتها من الشرق للشرق كما كتبت مجلة الشبكة حينها .
ولكن حين دخلت الاغنية حيّز التنفيذ تحفظت الصبوحة على مطلعها الذي كان يداية:
“عالضيعة يما عالضيعة وديني وبلا هالبيعة
رحنا نبيع على المينا ضيعنا القلب وجينا”،
وتمنت الصبوحة على بركات ان يعدّل هذا المقطع فاستبدل بركات المقطع السابق بآخر يقول : جينا نبيع كبوش التوت وضيعنا ضيعنا القلب بيروت …
رحبّت الصبوحة بالنص الجديد لكن عبد الوهاب رفضه كليا واصر على ان تبقى الاغنية كما كانت مسبقا، ومعروف عن عبد الوهاب تشبثه ورفضه القاطع والحاسم لتغيير اي حرف في النص الاصلي لاي اغنية يلحنها، وكثيرا ما حصلت خلافات بينه وبين الكثير من الفنانين بهذا الشأن .
وعبثا حاولت صباح اقناعه، ومع اصراره لجأت الى الصديق المشترك الصحافي الكبير سعيد فريحة وطلبت منه التدخل لاقناع صديقه الموسيقار بفكرة كبوش التوت لانها اجمل الف مرة من عبارة نبيع على المينا التي يصر عليها .
واتصل فريحة بعبد الوهاب وقال له كلمة مينا تعني البور المرفأ البواخر الارصفة والرافعات والشحن والبضائع من حديد وخشب وغير ذلك
اما كبوش التوت فيحمل رائحة الضيعة ومناخها وجمالها باشجارها وثمارها الخ .
إقتنع الموسيقار محمد الوهاب بكلام سعيد فريحة وولدت اغنية عالضيعة .
وعن الصعوبات التي واجهتها الصبوحة خلال تسجيل تلك الاغنية فقالت صباح : “عبد الوهاب لم يخلق الله مثله في عالم الفن وانه بداية الملحنين وخاتمتهم لكنه دقيق جدا بل مرهق جدا ومسرسب في تلحين اللحن وتسجيله ،
وتابعت، عندما اراد ان يهديني اغنية عالضيعة امضى اياما في التلقين، و البروفات، وعندما جاء دور التسجيل قضيت سبع ساعات متواصلة في الاستوديو وانا اغني واعيد واغني واعيد حتى هلكت ، واخيراً قلت للموسيقار : دخيلك تعبت ما عدت قادرة غنّي ،
فاجابني عبد الوهاب : لا، صوتك انتي ما بيتعبش.
وعدت الى التسجيل حتى نمّل راسي وانهرت وبكيت ولم اعد اعي ماذا اقول وكيف اغني ولا كيف تابعت تسجيل الاغنية .
وختمت الصبوحة قائلة : لكن ما يشفع بتعذيب عبد الوهاب للذي يغني من الحانه هو سعي سيد الفنانين للكمال، وهذا ما جعله يتبوأ المركز الخطير الذي هو فيه اليوم” .
وهنا يجب ان اشير ان عدم اقتناع عبد الوهاب واعادته للتسجيل مرات ومرات لم يكن بسبب اداء صباح .
وقد شهدت مجلة الشبكة التي كانت حاضرة خلال التسجيل ان صباح لم تتسبب مرة بوقف التسجيل. وانما كان يتوقف مرارا بسبب عدم رضا عبد الوهاب على امور كثيرة ومنها عزف بعض الموسيقيين كعازف الاكورديون الذي اوقفه عبد الوهاب عدة مرات وكذلك عازف الطبلة البرجاوي وقال له : في دوشة يا بتاع الطبلة عيد ..
وكذلك اوقف قائد الفرقة عبود عبد العال وقال له : يا عبود التأدية تتم بالعنف والعصبية عايزها رايقة ريلاكس عايزها حلوة وهادية .
كذلك تحدثت الشبكة عن مناوشات حصلت بين اعضاء الفرقة في ظل التزام عبد الوهاب الصمت.
ورغم كل ذلك حاولت الصبوحة كعادتها اشاعة جو من الظرف والبهجة في الاستوديو فكانت تطل براسها من وراء الستار او الزجاج وتكح او تطلق القفشات رغم الارهاق الشديد الذي كانت تعاني منه وهذا واضح من الصور حيث اختلفت تعابير وجهها بين بداية التسجيل ونهايته وبدا عليها الارهاق بشكل واضح .
عموما، كان معروفاً عن الموسيقار محمد الوهاب وسوسته ودقته الشديدة واهتمامه بادق التفاصيل لا بل بكل تفصيلة واصغر تفصيلة وكان مرهقاً ومتعباً اثناء تسجيل الحانه وهذا ما اكده وشكى منه كل من تعاون معه.
اذا وبعد سبع ساعات تسجيل وقبلها ساعتان تحضير في الاستوديو قبل التسجيل ،سبقها ايام من الحفظ والتلقين والتمرين، انتهى تسجيل اغنية “عالضيعة” على اجمل مايكون ،
وابصرت الاغنية النور وحققت ” عالضيعة ” نجاحاُ هائلاُ وحققت المركز الاول في نسبة المبيعات ولم تقدم الصبوحة حفلة في ذلك الوقت الا وكانت الحناجر ترتفع مطالبة باغنية “عالضيعة”.
واعتبرتها صحافة تلك الايام خبطة فنية هامة واثنت على الانسجام الرائع بين لحن عبد الوهاب وصوت الشحرورة صباح وكلمات توفيق بركات .
كما اعتبرت مجلة الشبكة ان اغنية عالضيعة كسب جديد للاغنية اللبنانية وادخلت جديدا الى اغاني صباح وقالت: ان الموال الذي اعتدنا عليه في المقطع الثالث من معظم اغاني صباح استبدله عبد الوهاب “بالليالي” ( مقطع يا ليل القمر مش داري) … والتي جمعت اللون اللبناني والمصري وبذلك اتى عبد الوهاب بالجديد الذي يبحث عنه في كل اغنية..
من ارشيف كارول خوري