صمت فيروز في الجنازة نشيد أخير بلا لحن

صمت فيروز في الجنازة نشيد أخير بلا لحن

ترتدي السواد كما ترتديه الأوطان المهزومة. تخبئ عينيها خلف نظارات داكنة كما يخبّئ التاريخ خيبته في عيون من حلموا به. الصورة مش لأم ما عم بتودّع ابنها، الصورة لوطن عم بيدفن آخر رموزه.. آخر الأصوات التي كانت تجرؤ على السخرية من القتلة داخل البيت. زياد لم يكن فقط ابن فيروز، كان النقيض الشبيه.. تمرد عليها كما يتمرد المثقف الحقيقي على الأيقونات.. حتى لو كانت أمّه. أحبّها وانتقدها، وغنّى لها وصمت عنها.. كانا رغم التباعد في حالة وحدة سرّية: الأم المغنّية باسم الأمة، والابن الغاضب على الأمة وما آلت إليه. كان يكتب للناس لا ليُرضيهم، بل ليوقظهم.. يعرّيهم بلا مواربة في زمن التضليل.. واليوم ترحل فيروز عن زياد حيّة بعدما سبقها هو إلى الموت، يرحل تاركًا لها الوطن كما هو: مكسورًا، مشطورًا، خانعًا، تسيّده المصارف والخونة. بيروت مسرحه الأول تبدو اليوم أكثر المدن صمتًا، بعد أن كانت عاصمة الضحك المرّ وساحة التمرّد بالكلمة. بموت زياد لا تُدفن فقط الأغنية، بل يُدفن الصوت الذي لم يتواطأ.. لم يُؤدلج، لم يصفق لأمراء الطوائف، ولم يشتر وطن بالتقسيط. لقد خسر لبنان ابنه الذي لم ينتمِ إلا للهامش.. خسر الفتى الجَسور المنحاز لمن هم تحت بلغة غسان كنفاني.. رحل الزياد الذي رفض أن يكون مطربًا رسميًا لسلطة ما، أو شاعرًا لراية مستأجرة.. رحل ولم تنكّس لأجله في لبنان راية حداد.

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *