ماذا ينفع لبنان لو “ارضى” براك” وخسر نفسه

ماذا ينفع لبنان لو “ارضى” براك” وخسر نفسه

(معن بشور)

يوم صادق مجلس النواب اللبناني بأكثرية محدودة وباعتراض النائبين الشجاعين زاهر الخطيب ونجاح واكيم على اتفاق 17 ايار بقي الاتفاق دون توقيع رئيس الجمهورية آنذاك امين الجميّل الذي تبلّغ عشية التوقيع بشرط اسرائيلي جديد هو ضرورة موافقة القيادتين السورية والفلسطيينية على سحب قواتهما من لبنان ( كانت القوات ما زالت موجودة في الشمال والبقاع)، وحين أدرك الرئيس الجميّل يومها انها شروط تعجيزية من الاسرائيلي وانه ليس في وضع ليفرض على القيادتين السورية والفلسطينية المطالب الاسرائيلية وهكذا بدأ الاتفاق المشؤوم يتعثر منذ أيامه الأولى ليبدأ الانقضاض عليه سياسياَ عبر تشكيل جبهة “الخلاص الوطني” من كل من الرئيسين سليمان فرنيجة (الجد) والشهيد رشيد كرامي، بالاضافة الى رئيس حركة أمل الاستاذ نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الاستاذ وليد جنبلاط والعديد من الشحصيات والقوى الوطنية والاسلامية اللبنانية ( لم يكن حزب الله قد أعلن تأسيسه بعد)… وبدأت معركة إسقاط ذلك الاتفاق المشؤوم في انتفاضة 6 شباط 1984، ثم عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية على رأسها الشهيد رشيد كرامي وكان بين أعضائها الى الرئيسين سليم الحص وعادل عسيران والاستاذين بري وجنبلاط كل من الشيخ بيار الجميل والرئيس كميل شمعون والدكتور عبد الله الراسي ، والنائب جوزف سكاف ليدفن بتشكيلها الاتفاق المشؤوم الذي قامت بوجهه انتفاضة 6 شباط 1984 الشهيرة… وعاد مجلس النواب نفسه الذي اقره الى الاجتماع لالغائه…
فهل يعيد التاريخ نفسه… وهل يدرك الرئيس جوزف عون ان تصويت مجلس الوزراء على اتفاقية توم برّاك (جورج شولتز المرحلة الجديدة) لا يعني انها ستكون سارية المفعول بعد تقرير قيادة الجيش التي أُنيط بها للمرة الأولى في تاريخ لبنان تحديد تفاصيل تنفيذ اتفاق سياسي قبل ان يكون أمنياً… يومها اذكر انني القيت في 18 ايار 1983(اي بعد يوم واحد من تصويت المجلس النيابي على الاتفاق)محاضرة في مركز الشهيد احمد الصوفي في ساحة النجمة في طرابلس بعنوان “اتفاق شولتز ..مشكلة ام حل” بدعوة من تجمع اللجان والروابط الشعبية قدم لها يومها الرئيس الشهيد رشيد كرامي بكلمة حدد فيها موقفه الوطني والقومي الثابت الرافض لذلك الاتفاق …
إن استعادة هذه المرحلة من تاريخ لبنان ضروري جداً في هذه الايام التي نشهد إصراراً اميركياً واسرائيلياً محموماً للهيمنة على لبنان وإثارة الفتنة الداخلية لتصفية المقاومة فيه ، بينما قوة المقاومة هذه الأيام هي أضعاف قوتها قبل 42 عاماَ، وإن مطالبها اليوم بسيطة جداًً تتلخص بأن يتم تنفيذ القرارات والاتفاقات الدولية المعقودة منذ القرار 242 و 338 عام 2006 وصولاً الى اتفاق 27 تشرين الثاني 2024 الأخير الذي يصر على وقف فوري لاطلاق النار وعلى الانسحاب الاسرائيلي الكامل قبل اي أمر أخر..
لا شك أن هناك انقساماً بين القوى السياسية اللبنانية حول ما أتخذ من قرارات في مجلس الوزراء حول الموافقة على الورقة الاميركية، ولا شك ان اللبنانيين يدركون ان تطبيق هذا الاتفاق دون وفاق بين اللبنانيين أمر خاطئ من الناحية الدستورية ومن الناحية السياسية, خصوصاً ان المضي في تنفيذ القرار الصادر عن مجلس الوزراء تم في ظل مقاطعة مكوّن أساسي في البلاد في وقت يرى اللبنانيون ان الوفاق في أمر كهذا، كغيره من الأمور التي نص عليها الدستور (الغاء الطائفية السياسية، تشكيل مجلس شيوخ) لا يمكن تحقيقه دون توافق وطني شامل…
من هنا، اعتقد انا والعديد من المواطنين والقوى الوازنة في البلاد، انه لا بد من تجميد قرار مجلس الوزراء والتمسك بالترتيب الذي أعلن عنه خطاب القسم، والبيان الوزاري وخطاب رئيس الجمهورية في عيد الجيش قبل أيام، والاصرار على انسحاب قوات الاحتلال من كل أرض لبنانية محتلة ثم الشروع في حوار داخلي لا يضمن حلاً لمسألة السلاح فقط، بل دفعاً لمسيرة الوفاق الوطني التي هي الضمانة الرئيسية لاستقرار البلاد واستقلالها…
فهل تنتصر الحكمة على الرضوخ للاملاءات خارجية لانه ما انقسم اللبنانيون يوماً على امر إلا وخسروا، وما واجهوا مشكلاتهم متحدين يوماً إلا وربحوا. وهنا نستحضر الحكمة المأثورة : ” ماذا ينفع الناس لو ربحوا العالم وخسروا انفسهم؟”

🧾 LaBamba News

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *