من دروس المقاهي!

من دروس المقاهي!

مساحة فكر

بقلم د. جهاد نعمان

رصدت المقاهي منذ أمد بعيد، عوالم الأدب وسلوك المفكرين وحالات البشر اليومية على العموم. الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، وصف، في روايته الشهيرة «قصر الشوق»، حياة المقاهي القاهرية التي كان يرتادها ولا سيما أحدها القائم في خان الخليلي، في حين رفض الخروج من حارته لتسلّم جائزة نوبل للآداب التي تفرّد بالحصول عليها بين الكتّاب العرب!
في المقاهي التي ارتادها خصوصا بعد ترملي، التقي أصدقائي وقرّائي وقدامى طلابي الجامعيين. نتجاذب فيها أطراف الحديث ونسبر أحيانا ما يتجاوزها إلى المابعد والماوراء…
ينسب اكتشاف القهوة ومشتقاتها وتفرعاتها، إلى أحد الرعاة الذي كان يرعى قطيعه في سفح أحد الجبال، فلاحظ بعض العنزات ترعى أوراق شجيرة وتأكل حبوبها، فلم تلبث أن أصيبت بحالة من الخدر. ذهل الراعي ، وقرر أن يتذوق حبوب تلك الشجيرة، وبذلك تم اكتشاف القهوة، إذ اتضح ان هذا النبات هو البن. أما مكان اكتشافه فكان اليمن السعيد!
وتقول المصادر التاريخية ان القهوة أصبحت مشروبا عاديا في معظم البيوت العربية مع مطلع القرن السابع عشر، وبدأت تغزو القارة الأوروبية منذ ذلك الحين.
أما التبغ الذي أصبح من أساس المقاهي والصالونات، فيرقى تاريخ اكتشافه إلى تاريخ اكتشاف أميركا في أواخر القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر حين لاحظ الأوروبيون سكان القارة الجديدة يدخنون هذه المادة التي تخلق دوارا خفيفا ومنها انتقل التبغ إلى أوروبا ثم إلى الشرق وسائر أنحاء العالم.
وأما النارجيلة، فهي مشتقة من النارجيل وهو اسم يطلق على جوز الهند وقد سمّاها المصريون «الجوزة» أو «الشيشة». صنعت النارجيلة في بداياتها من جوزة الهند مفرّغة مثقوبة من طرفيها ثم تطوّرت إلى شكلها الحالي.
أسعى في ارتياد المقاهي للوقوف على نبض الحياة في الوطن وتحت كل سماء. في حدود الوطن، أحاول، ما استطعت، أن أردّ بعض الشيء هجمات التخلّف المقيت أو التعصب المميت وأعزز الروح النقدية البنّاءة لدى أبناء جلدتي لئلا يظلوا متقهقرين أو يستمروا في الغرق في أمواج بعض الحضارات أو الممارسات الملتوية. ما يهمّني في لقاءاتي أو كتاباتي، أن أجعل ناسنا ينهضون من سباتهم وينفضون عن مناكبهم غبار الذلّ والخمول.
ارتياد المقاهي وبعض الصالونات الأدبية عادة مستحبة، وهي، في أدنى الحالات، تنبّه، بقهوتها، الأذهان وتستنهض الهمم على الرغم من ان الدخان قد يجلب فيها الأمراض. وقد تشهد بعض مقاهينا الصامدة أو الصالونات الراقية ولادة اتجاهات فكرية وأدبية وحتى سياسية تقوم مقام بعض «القيّمين» على سلامة أذهاننا، عبر دور فاعل مؤثر في أعماق إنساننا المأزوم على العموم. من يدري؟

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *