هل نحن حقا نحبك يا طرابلس؟
بقلم عضو المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الشيخ مظهر حموي
الحديث عن حب المواطن لموطنه هو حب أصيل من الشعور ، وصدق بارٍ في الوطنية ، ففي داخل الفطرة يموج هذا الحب ، ويتوهج ببراءة وبنضارة ويقيم في الأعماق ، كما يبدو ظاهراً في السلوك .
وكيف لو كان هذا الحب هو حب طرابلس مدينة العلم والعلماء ، فيحاء العرب ، دار السلام ، ومحفل المكتبات ، وبيت الحكمة ، ومرساة الأدب ، ومنار المجد ، ومعقل الرايات ، ومكان الصمود ، وصهوة الرعود ، وبلد المتقين ، والأولياء الصالحين ، والقراء الحافظين ، والعلماء العاملين بأدب الدنيا والدين ، ونبالة الكرام ، ومشكاة النور ، وعنفوان الكرامة ، وخزان الشهامة ، وريحانة الخير ، وحورية البحر ، وياقوتة الشرق ، ومثل الرجولة في قلب لبنان…
وهل دون عشق طرابلس زهو لعشق ، وهل دون الإعتزاز بطرابلس موضع لعز ، وهل دون الغيرة على طرابلس باعث لغيرة ، ودافع لحمية .
اسألكم أجيبوني أي غريب جاء أو أقام في طرابلس وشعر بغربته فيها ، وأي مستعمر إقتحم طرابلس وإستطاع أن يبقى فيها ، وأي ضيف زار طرابلس فلم تخفق القلوب لإستقباله ، وتتسابق الدعوات لإستبقائه .
وأي قضية محقة تخلت عنها طرابلس ، أو قصرت في دعمها ، او ناورت لإبتزازها .
الم تكن طرابلس صوت العقل في جنون الفتنة ، ونداء الحق في جلبة الباطل ، وميزان الإعتدال في ثوران التطرف ، وحكمة الإيمان في فوران الإلحاد ، وصمام الأمان في فوضى الفلتان ، وحصن الأخلاق في سعار المجون ، ودعوة الوفاق في صراع الشقاء ، وضمير الوطن الذي لا يخون ولا يتلون؟
أليست طرابلس مرسومة على خارطة لبنان ، وهي مثال الحرمان من خطط الإنماء المتوازن ، فتقف الدولة عند أبوابها ولا تدقها ، وتدور المشاريع والإنجازات من حولها ولا تسلك الطريق إليها .
أليست طرابلس مصب المحرومين ، وملجأ المحتاجين ، حتى سميت أم الفقير ، ووصفت بأنها بلد الغريب ، أبوابها مشرعة لكل وافد ، ويدها مبسوطة لكل قاصد ، وعيناها دامعتين لكل بائس..
حتى تكافأ طرابلس بأنها أصبحت مطمع المستغلين لا المستثمرين ، فضربت الأطواق التجارية من حولها ، وإختطفت المقاولات والتعهدات من أبنائها ، وحرمت أسواقها من التعامل معها ، وحرم أهلها من التوظيف والعمل في مشروعات هي جزء من دين لها في ذمة الدولة ؟
وأي مشروع فيها قد أكتمل ؟ وأي مرفق لها قد أهّل ؟ وأي خطط وضعت لتنميتها قد أبصرت النور؟
الحديث عن طرابلس طويل ، لكن الحديث عن حرمانها وظلمها أطول وأطول ..
بينما الحديث عن حب طرابلس لأبنائها وحب أبنائها لها
فهو حديث مستمر ، ولا نظن أحدا من أبنائها يضن بحبه لها ، أو يفي حبه عنها ، إذ لا يخون هذا الحب إلا من كتم أنفاسها ، وأنساها نفسها ، وألغى ناسها ، وأوهى أساسها ، ونكس رأسها ، وإستجرها لفتنة ، أو أثار فيها بغضاء ، أو أفسد وحدتها ، أو إستعملها لمآربه ، وقايض عليها لمصلحته ، أو تخلى عن خدمتها ، واتخذها مرقاة لأطماعه ، وجسراً لوصوليته .
من كان محبا لطرابلس ولأهلها يجب أن يترجم هذا الحب إلى مواقف ، لا إلى عواطف ، وإلى أعمال لا إلى اقوال ، وإلى إيجابيات لا إلى سلبيات ، وإلى إيثار لا إلى إستئثار.
فهل نحن حقا نحبك يا طرابلس؟







