الجنوبية ماريانا أمين ورحلتها لمدينة طرابلس

الجنوبية ماريانا أمين ورحلتها لمدينة طرابلس

هل زرتم طرابلس من قبل…!!!

طرابلس لم أكن أعرفها لبُعدها الجغرافي عن ضيعتي في الجنوب؛ لكنَّ أبي كان يُخبرنا دائما إننا زرناها مراراً عندما كنت طفلة.
لكن لم تَرتَسم في مخيلتي أيَّةُ صورة عنها.
وبعدها كبرت وسافرت، وكل ما أعرفه عن طرابلس كان الشيء القليل كورود اسمها في الكتب المدرسية كالجغرافيا والتاريخ، كما كنت أسمع عنها في نشرات الأخبار وعما يجري فيها من أحداث؛ وكل مرة رغبتُ بزيارتها كنت أتردد بقراري لأن ما يُقال عنها من أمور مٌبهمة تجعلك تخاف حيناً وتتردد أحياناً.
وحينما أخبرني أخي بعد مجيئه من بلاد الإغتراب أنَّ صديقه في أفريقيا دعاه لحفل زفافه في طرابلس؛ حيث لا يرغب الذهاب بمفرده.
ردّة فعلي الأولى كانت الرفض، بل بدأت أقنعه بعدم الذهاب لأنها منطقة غريبة عنا وبعيدة، وماذا سيحصل إذا حصل لنا شيء غير متوقع!
لكنّه كان حاسما بقراره ؛ فطرابلس مدينة لبنانية ولماذا هذا الهلع! ومن الذي جعلك تخافين من زيارتها؛ لكنَّ هذا ليس خطأك بل على قنوات الأخبار التي تقدّم صورة مغايرة عن طرابلس الفيحاء!
فَصَمَتُّ ووافقت، وذهبنا معاً؛ ونحن في السيارة وبعد ثلاث ساعات على الطريق وبعد مرورنا ببيروت وجبيل وباقي المدن اللبنانية الساحلية الأخرى،سألته:
أين هي طرابلس؟
فردّ بقوله: ها هي؛ نحن وصلنا.
إندهشت قليلا وقلت: إنها مدينة عادية وجميلة تشبه مدن لبنان التي نَمُرُّ بها ولا فرق بينها وبين المناطق الأخرى بتاتا!
وأخيرا وصلنا إلى الزفاف وعلى باب صالة الاحتفال عرّفنا عن أنفسنا بأننا أصدقاء العريس.
وبدأنا نسمع من هنا وهناك:
انتم أصدقاء العريس؟
أنتم من الجنوب؟
لقد ابلغنا بمجيئكم وبمشاركتكم معنا فأهلا وسهلا.
وأتى الجميع للترحيب بنا وأصرّ المدعوين مشاركتهم طاولتهم؛ وبدأ الاهتمام بنا كأننا “نزلنا عليهم من السماء”.
فسألت أخي عن علاقته الوطيدة بإبنهم لإظهار هذا الاهتمام الوديّ!
فقال لي: لا ابدا ؛ لكن علاقتي به جيدة فهو انسان طيب جدا وكل من يعرفه يحبه؛ لكنني مثلك متفاجئ من هذا الاستقبال.
فرقصنا قليلا وفرحنا معهم وبدأنا نتحضّر للعودة؛ وبعد محاولات عدة لاقناعنا بالبقاء عندهم والنوم في ديارهم، فشكرناهم وقررنا العودة .
وفي الطريق وددنا شراء بعض الحلويات الطرابلسية المشهورة وللأسف ضللنا الطريق. لنجد انفسنا في شارع صغير فيه شخصان وبقربهما دراجة نارية صغيرة .
فنظرا إلينا باستغراب وأوقفانا بقولهما إلى أين؟
فأخبرهما أخي أنه يبحث عن محل الحلويات الذائع الصيت.
فردّ أحدهما:
أنتم لستم من طرابلس؟
ربما عرف ذلك من لوحة السيارة أو من لهجتنا الجنوبية الواضحة.
وأكمل قوله: إتبعني كي أرشدك للمكان وركب دراجته وبدأنا نسير خلفه من حيّ إلى آخر.
وهنا! لا أخفي عليكم أنه بدأ ينتابني القلق!
وأنا أراه ينظر من حين الى آخر خلفه ليتأكد اننا ما زلنا نتبعه حتى وصلنا للمكان المقصود .
فتقدّم إلينا بقوله:
هل تريدان شيئا آخر؟
هل أنتم مرتاحون؟
هل أنتم بحاجة لأية خدمة أخرى؟
فأقتربت من أخي وهمست في أذنه فربما من الأفضل أن نُكرمه ببعض النقود.
بدا الاندهاش على وجهه جليّاً.
وقال عدة جمل متتالية:
لماذا هذه النقود؟
فلنفترض أنني ذهبت وتِهتُ في منطقتك هل ستساعدني مجانا؟
أو ستعطيني نقودا مقابل المحبة !؟ فلا شكّ لديّ أنكم كرماء.
نحن هنا هكذا كنا وسنبقى يا اخي؛ هذه عاداتنا وتربيتنا.
وعندما أردنا أن نهديه علبة حلوى فرفض بإباء.
وعدنا الى الجنوب وكانت طرابلس هي الموضوع الرئيس لأحاديثنا المتداولة لأيام عديدة.
تكلمنا عن أهلها اللطفاء،عزيزي النفس، الكرماء.
وكم أسفنا على بعض الإعلام الذي يقدّم صورة مشوّهة عن منطقة بأكملها. فربما يوجد بعض المتطرفين كالمناطق اللبنانية الأخرى بل في كل أنحاء العالم من أدناه إلى أقصاه.
وتمنينا لو كنا زرناها سابقا.
لذلك ذهبت إليها ثلاث مرات في فترة زمنية قصيرة لأعوّض ما فاتني عن كلّ هذه السنين التي لم أزرها فيها.
وكم أحببتُ بحرها وقلعتها الأثرية وسوق الخضار والباعة وأهلها المضيافين وشجرها ومحلاتها ومطاعمها وناسها عزيزي النفس.
وأيقنت أن من لم يذهب إلى طرابلس ولم يلتقِ أهلها يكون قد خَسر من المحبة…الكثير!!!

مريانا_امين

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *