أنا ووالدي… و”شيطان” المسرح
في عالم المسرح، حيث تختلط الأضواء بالظلال لتنسج عوالم موازية من السحر والخيال، كان أبي، فؤاد الأدهمي، مرشدي الأول وصديقي الأوفى. كاتبًا ومخرجًا مسرحيًا بارعًا، وكان يجسد الروح الحقيقية للفن. لم يكن المسرح، والفن بكل ابعاده، بالنسبة له مجرد خشبة وعرض، بل كان نافذة على عوالم أعمق، ووسيلة لفهم النفس والإنسانية. وكتب للاذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح..
نشأت في كنف أبي، فكان المسرح جزءًا من طفولتي كما كانت الألعاب والكتب. كنت أراقبه وهو يصارع “شيطان المسرح”، ذاك الكائن الغامض الذي يسكن عقل كل مبدع، ويحثه على البحث عن الكمال، ليظل في صراع دائم مع نصوصه وأفكاره ورؤيته.
كان يقول دائمًا: “المسرح هو الحياة، لكنه حياة مكثفة، صاخبة، تلتقط لحظة وتبني عليها عالمًا بأكمله”. وكنت أشاهد هذا العالم يُبنى أمام عينيّ حين كنا نعمل معًا في المسرح. شاركت معه في العديد من الأعمال، لا كمجرد متعلم، بل كجزء من فريق يحترم فيه الجميع أفكار بعضهم البعض.
علّمني أبي أن المسرح لا يتحقق فقط بالنصوص القوية أو الإخراج المبدع، بل بالصدق في الأداء. “إذا لم يكن الممثل صادقًا على الخشبة، فلن يصل إلى الجمهور”، كان يكرر هذه العبارة مرارًا. وكنت أشاهده وهو يوجه الممثلين بعناية، يحاول إخراج مشاعرهم الحقيقية، يطلب منهم أن يعيشوا الشخصيات بدلًا من تمثيلها.
لكن والدي لم يكن فقط ذلك المخرج الجاد الذي يسعى للكمال. كان يحمل في داخله روحًا طفولية، تعشق الضحك والمغامرة. وكنت دائمًا أرى هذه الروح تشرق في لحظات الارتجال، حين يضطر الفريق إلى التصرف بشكل فوري على المسرح بسبب خطأ ما أو ظرف طارئ. كان يقول لي: “شيطان المسرح يحب هذه اللحظات، فهي الأكثر صدقًا”.
مع مرور السنوات، أدركت أن “شيطان المسرح” ليس عدوًا، بل رفيق طريق، يدفعك للبحث عن الأجمل والأعمق. وربما كان أبي قد ورّثني هذا الشيطان، لأني اليوم أجد نفسي أواصل العمل بنفس الشغف والقلق والحب الذي رأيته فيه.
في النهاية، المسرح ليس مجرد فن، بل تجربة حياتية، درسني إياها بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وبيني وبين أبي وشيطان المسرح علاقة أبدية، نسجت تفاصيلها لحظات لا تُنسى على الخشبة وخلف الكواليس.
الكاتب الاستاذ وسيم فؤاد الأدهمي