انتخابات طرابلس: المعركة على المقاعد غير السنيّة

انتخابات طرابلس: المعركة على المقاعد غير السنيّة

كتب الصحافي عبد الكريم فياض

انتخابات لبنان (وزارة الاعلام)

بين الحديث عن اجراء الانتخابات النيابية في موعدها وفق القانون الحالي او تأجيلها بسبب الاوضاع الامنية والتوترات المحيطة بالبلد او نتيجة تسوية ما حول القانون الانتخابي، في بلد خلق ويعيش على التسويات، يبدو أن المعركة الانتخابية في مدينة طرابلس ستتركز في شكل كبير على المقاعد غير السنيّة، أي المقعدين المسيحيين والمقعد العلوي. وذلك لسبيين: أولهما الاهتمام الذي توليه الأحزاب المسيحية الكبرى بهذين المقعدين، ثانيهما تأثير هذه المقاعد الثلاثة على تشكيل المشهدية السياسية داخل البرلمان الجديد من الناحية العددية.

لذا، فإن الترشيحات للمقاعد المسيحية تُرسم على المستوى الوطني، حيث يرتبط ترشيح الأشخاص بالخريطة السياسية العامة وما يمكن أن تنتجه من توازنات جديدة في البرلمان المقبل.

الجدير بالذكر أن دائرة طرابلس تضم 8 مقاعد: 5 سنة، 1 روم أرثوذكس، 1 للموارنة، 1 علوي، وتعدّ حسب القانون الانتخابي الساري المفعول دائرة صغرى تنضوي ضمن دائرة كبرى هي الشمال الثانية التي تضم دائرتين أيضًا: الضنية والمنية.

تغيير محدود في المقاعد السنية
يتمتع النواب السنّة الخمسة عن دائرة طرابلس بأرضية مقبولة ترفع حظوظ إعادة تجديد وكالتهم البرلمانية في ظل عدم وجود معركة جديّة مع غياب منافسين أقوياء يتحركون على الأرض، ويمكنهم تشكيل تهديد فعليّ. بالإضافة إلى عدم وضوح موقف الرئيس نجيب ميقاتي ما إذا كان سيترشح بنفسه أم سيدعم لائحة، وضبابية موقف تيار المستقبل. وبالتالي، ووفق هذه المعطيات، تميل الأجواء إلى بقاء القديم على قدمه، وفي حال حصول تغيير فإنه سيكون محدودًا بمقعد واحد. هذا المقعد من الممكن أن يؤول إلى النائب التغييري الأسبق الدكتور رامي فنج، الذي يعمل على تشكيل لائحة مستقلة على مستوى دائرة الشمال الثانية، انطلاقاً من أرقام انتخابات عام 2022. يقول فنج لموقع “كافيين دوت برس” أنه يتواصل مع كل المرشحين الفاعلين في الدائرة “هدفنا بناء إطار وطني بالتنسيق مع كل القوى السياسية القريبة من أفكارنا ونهجنا. شعارنا سيكون الإصلاح مع استعادة الدولة ضمن الأطر القانونية”. يؤكد فنج أنه مؤتمن على أصوات انتخابية لم تتبع لأي زعيم أو حزب، ولم تبع. “التاريخ سيكشف الحقائق التي يعرفها كل مواطن، وكيف زوّرت أصوات الأحرار في طرابلس”.

يبيّن فنج أن الضبابية المحيطة بالمشهدية الانتخابية مرتبطة بسياقات حصرية السلاح واحتمالية تجدد الحرب”لا ينهي السلاح إلا السلاح. إذا استمر حزب الله في رفض العودة إلى العائلة الوطنية والتماهي معها، فإن الحرب الإسرائيلية قد تتجدد، وستكون هذه المرة من البقاع حسب المؤشرات التي نلمسها. لذلك أدعو الحزب إلى العقلانية، فما فعله في الروشة كان خطأ. أين العقل في كشف زهرة شبابه أمام وسائل الرصد الإسرائيلية؟”. يضيف “وفي حال صارت الانتخابات فأنا مرشح بالتأكيد”.

تغيير قواتي غير محسوم
ثمة حديث يتداول بكثرة في الشارع الطرابلسي بأن نائب طرابلس عن المقعد الماروني، إيلي خوري، قد لا يترشح مرة ثانية، وأن الحزب الذي ينتمي إليه، أي القوات اللبنانية، يدرس ترشيح معاون أمينه العام، جاد دميان، عن المقعد الأرثوذكسي. ومع ذلك، حتى اللحظة لم يُحسم القرار بعد.

إلى ذلك، من البديهي أن تكون القوات اللبنانية مع النائب أشرف ريفي، ونائب المنية الأسبق عثمان علم الدين ضمن لائحة واحدة. من الأمور اللافتة أن تجربة القوات خلال السنوات الماضية استقبلها الشارع الطرابلسي باعتبارها جزءاً من النسيج المجتمعي لعاصمة الشمال.

والحال أن القوات نجحت في ترسيخ موقعها ضمن المعادلة الطرابلسية، انطلاقًا من موقفها الثابت من دعم الثورة السورية، ومعارضة نظام بشار الأسد، فضلا عن موقفها الداعم لحكم الرئيس أحمد الشرع. هذه المرتكزات الثلاث التي تتماهى مع الوجدان الطرابلسي أسهمت في تعزيز موقع القوات في الشارع السنيّ، علاوة على أن معايير الاختيار بالنسبة الى القوات تأخذ في الاعتبار الخصوصيات الطرابلسية. فكما أن النائب خوري هو ابن المدينة، كذلك الحال بالنسبة لجاد دميان الذي يرتبط بعلاقة وطيدة ومستمرة مع أبناء طرابلس من كل الطبقات، ويتميز بحضور فاعل وهادئ يظلله الاحترام المتبادل بمعزل عن التحولات السياسية.

ترقب عوني
على الضفة الأخرى، فإن التيار الوطني الحر يعتزم خوض المعركة الانتخابية في طرابلس من بابها العريض، لكنه لم يكشف أوراقه الانتخابية بعد، ويميل إلى التحفظ والترقب حول المرشح المعتمد من قبله، وإن كانت الترجيحات محصورة بمرشحين: ألفرد دورة عن المقعد الأرثوذكسي، أو منسق قضاء طرابلس في التيار داني سابا عن المقعد الماروني.

ومع أن دورة الذي شارك في الانتخابات الماضية ضمن لائحة مستقلة حقق أرقاماً لافتة يُبنى عليها، إلا أن قرار الترشح بالنسبة الى التيار الوطني الحر يرتبط بجملة عوامل قد ترجح كفة سابا، وهو ابن طرابلس ولديه حضوره ونشاطه فيها، قد يكون أبرزها على الإطلاق انتظار حسم القوات اللبنانية لهوية مرشحهم وأي مقعد، من أجل تعزيز فرص نجاح الخيار الذي سيعتمده التيار الوطني الحر.

يقول سابا لموقع “كافيين دوت برس” ان التيار مرتاح لوضعه في لبنان عامة “الكلتة الناخبة التي حصلنا عليها في الانتخابات الماضية، والتي بلغت 150 ألف صوت تفضيلي لا تزال متوفرة، ونتوقع أن ترتفع أكثر. لكن ذلك لا يرتبط بالمقاعد التي تتأثر بالتحالفات السياسية والانتخابية، بمعنى أن التحالفات هي المحدد الأبرز لعدد النواب”.

يضيف سابا “لا موانع عند التيار من التحالف الانتخابي مع اي شخصية سياسية او حزب او تيار حاضر على الساحة السياسية اللبنانية كالجماعة الاسلامية التي سبق وجمعتنا الانتخابات في 2018 في عكار ودائرة صيدا_جزين او النائب جهاد الصمد في الضنية الذي يحظى بحضور فاعل في قضائه”.

الحذر العلوي من المحرقة
في الاستحقاق الانتخابي المقبل، يبرز عدد كبير من المرشحين العلويين، بعضهم كان على ارتباط مباشر بنظام الأسد قبل أن ينقلب عليه، سواء من البعثيين أو من بيوت بعثية قديمة، ومنهم من كانت له صلات بحزب الله تحت عناوين مساعدات غذائية أو عينية قدمت إلى جبل محسن في مراحل سابقة، ولا تزال مستمرة إنما بزخم أقل بكثير. بالإضافة إلى مرشحين كانوا قريبين من الحزب الديموقراطي العربي، الذي يتزعمه رفعت عيد.

ومع أن عدد المرشحين العلويين يفوق عدد اللوائح المحتمل تأليفها، إلا أنه يسود حذر هائل لدى رؤساء اللوائح في اختيار اسم المرشح العلوي، لأن من كانت له صلة بالبعث أو بالعربي الديموقراطي سيشكل عبئاً على اللائحة وقد يتحول إلى محرقة سياسية لها.

وفي هذا الإطار، يبرز النائب الحالي الدكتور حيدر ناصر بمواقفه المعارضة لحزب الله وسعيه لتحصيل بعض المناصب في مؤسسات الدولة للطائفة العلوية، كما يبرز اسم السيدة ليلى تيشوري التي تنطلق من خلفية كبيرة في العمل الاجتماعي والخدماتي في جبل محسن.

ويبقى ان القانون الانتخابي القائم على الصوت التفضيلي في نظر الكثير من المرشحين قانونا انتهازيّا بامتياز، لان اي مرشح باستثناء مرشحي الأحزاب الكبرى في حاجة إلى تمويل كبير لحصد الأصوات التفضيلية، الأمر الذي يضعه تحت ضغط دائم من الابتزاز السياسي والمالي.

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *