مساهمة يومية طيلة شهر رمضان المبارك
… تحية المساء …
خلطة ” فلك “
بقلم : د. فلك مصطفى الرافعي
الحكواتي
حاولت الشعوب حفظ محكيات العالم القديم من ادب و معارك و ثقافة عبر إمكانياتها المتواضعة ، لذلك تاثرت معظمها بالتأويل و التحريف و خضعت لتغييرات في نمط الحكاية و مضمونها لحد الخلاف الكبير ، و لم ينج من التحريف الا القرآن الكريم ، لان الله سبحانه و تعالى تعهّد بحفظه ..
و من الحكايات ما اندثر منها و منها ما حافظ على يقائه بفضل عشق لها و او بحد الحراب . و حتى الامس القريب كانت تتبارى ساحات و مسارح المدينة ، و كذا في مدن كثيرة لسرد المواقع و البطولات عبر شخصية فريدة كان لها دورها و مكانتها و إحترافها يسمى ” الحكواتي ” . و في توصيف شكل الحكواتي له علامات من ملبس مهيب و مشية على تؤودة و بكل قيافة المظهر يخترق صفوف المسرح او المقهى ليعتلي المنصة المنصوبة خصيصا له، وفور جلوسه على كرسي المناورة تتحول الثرثرة الى همس ثم ينقطع نفس الهمسة و تشخص العيون و تستوي القامات لإستكمال حديث الامس ، حيث يختار ” الحكواتي ” مفصلا مقلقا ليستفز القوم لحضور حلقة اليوم ، كل هذا قبل شيوع و طغيان المرئيات و ندرة المذياع و قلة الاهتمام بالاعلام ، و كان لكل منطقة في البلد حكواتيها المستقل ..ففي عتمة الليل كانت بوابات المدينة تقفل على سكانها كحماية إستباقية ، و لكل حارة هوسها و شغفها بأسطورة ما او بسيرة بطل ما .و من هنا تنفرج اسارير مخزون الذاكرة ، و نحاول رسم مشهد خيالي لتلك البوابات الضخمة التي ظلت رغم قلعها من جذورها بالتمدد السكاني ما زالت معظم مناطق طرابلس تحمل اسماء باب التبانة و باب الرمل و باب الحديد و سواها ..
و لعلي في موجة حبور و الق من عشق هذه المدينة الطلب إلى مجلس بلديتها إقامة مجسمات في مكانها تراعي اصول تلك البوابات كجرعة إضافية من رحيق تراث المدينة و إرثها الثقافي … و من ابرز الشخصيات التاريخية التي شكلت مادة اثيرة للمستمع ،و لعل اشهرها ‘عنترة العبسي ” و ” الزير سالم “و ابو زيد الهلالي ” و ايضا ” سيف بن ذي يزن ” من عمق الملحمة اليمنية…
” حكواتي ” ايام زمان يتلاعب برفق دون اذى بعواطف المجتمع المثالي الذي كان يبكي إن راى طوق حمامة يكسر خاطرها و يحبس هديلها ، كانت كل الاشياء في زمن ” الحكواتي ” ناصعة البياض لا غش فيها و لا تزوير ، فهي الصدى العميق لأصالة المدينة ،. حكواتي اليوم في اشكاله المتعددة المرئية و المسموعة و المقروءة يركّب “راس ترامب على جسد بوتين “مع ” سيكار كاسترو ” و ” شارب هتلر “..
حكواتي البارحة مثل السحابة السابحة تمر بخفر و حياء في كبد السماء و لا تدخل النوافذ و لا تقرب المحارم ،و حكواتي اليوم في الصالة و غرفة النوم و في المرئي شيطان العولمة في محراب العلم ..
حكواتي زمان ينام قرير العين ، و في يومنا قلق ارق غادر ملتبس، لأن العقل إن بغى جرح و في واقعية القلب كل الفرح .و قد قيل قديما ” عظمة عقلك توجد لك الحسّاد ، و عظمة قلبك توجد لك الاصدقاء” ، فهي دعوة لمجانسة العقل و القلب و مؤانسة العاطفة و القوة ..
في تذكر امسيات ” الحكواتي ” عودة إلى زمن كان فيه سراج الزيت اطهر من كل مهارة ” أدبسون ” الى زمن كان فيه رغيف الخبز يقودك نحوه عبر رائحة القمح البلدي…
فكل أزياء ” حكواتي ” اليوم عبارة عن المعلومة أن كانت عشرة اقسام فتسعة منها تسقط لعدم المصداقية القسم الوحيد الباقي ….”قيد الدرس’ !!!؟
( مركز النهوض الاعلامي الثقافي و الاقتصادي )