تكريم للعلم والعلماء في طرابلس الفيحاء

تكريم للعلم والعلماء في طرابلس الفيحاء

رئيس المحكمة الشرعية السنية في لبنان كرم الشيخ ناصر الصالح: تكريم للعلم والعلماء في طرابلس الفيحاء

أقيم في قاعة “مسجد الوفاء” في طرابلس، حفل تكريمي للعلامة الشيخ ناصر الصالح، برعاية رئيس المحكمة الشرعية السنية العليا في لبنان القاضي الدكتور الشيخ محمد احمد عساف، وحضور النواب: اشرف ريفي، ايهاب مطر، طه ناجي وجميل عبود، الوزراء السابقين: عمر مسقاوي، رشيد درباس ومحمد الصفدي، النائب السابق قاسم عبد العزيز، محافظ الشمال ايمان الرافعي، مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد طارق امام، المطرانين افرام كرياكوس وادوار ضاهر، ممثل سيادة المطران يوسف سويف , المفتي مالك الشعار، رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام القاضي الشيخ خلدون عريمط، رئيس اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في لبنان الشمالي النقيب شادي السيد، رئيس بلدية الميناء عبد الله كباره، رئيس الرابطة الثقافية الصحافي رامز الفري، قضاة شرع وفاعليات مدينتي طرابلس والميناء.

امام

بعد تلاوة من القرآن الكريم للشيخ يوسف الديك والنشيد الوطني، فترحيب من الشيخ رامي فري، قال مفتي طرابلس والشمال: “ان مبدأ التكريم هو من الامور العليا في الحياة الإنسانية لانه ينبغي ان يقال للمحسن احسنت وهو مأخوذ من قوله تعالى هل جزاء الاحسان الا الاحسان، وكما انه يجب ان يقال للمسيء اساء لتستقيم الامور وليبنى المجتمع السليم، فإن من حق المحسن المتقدم ان يكرم وان يلتفت اليهم وان يقال له احسنت، وكثير منا لا ينتبه ان من يقومون بواجب على اكمل وجه وافضل حال لا ينظر اليه بتقدير لانه يقوم بواجبه لكن هذا خطأ، فإن من سنن الحياة وسنن القرآن الكريم وسنة الشريعة ان نبني مجتمعا سليما يقدم فيه العاملون المخلصون والناجحون المبرزون ويشار اليهم بل ويصبحون مثالا يحتذى كما هو حال سماحة الشيخ ناصر، العالم القانوني وصاحب تجربة متعددة المشارب ومختلفة الاداء حتى صار بجدارة رئيس المحكمة الشرعية في لبنان”.

ولفت الى “تواضع المكرم وحفظه للقيم ومراعاته وتوجيهاته الدائمة للأخلاق، وفي بعد آخر هو من المتقدمين في العمل الخيري ومؤسسيه بعمل متقن ورعاية ساهرة”.

درباس

وألقى درباس كلمة قال فيها: “سيرة الشيخ ناصر ملخص لسيرة مدينة، ومسيرة عمر، فقد تفتح وعيي العام في حقبة كانت غنية الإرهاصات، إذ توالت الأحداث في الدول العربية، ووصل الصراع إلى ذروته بالاعتداء الثلاثي على مصر في العام 1956، وكانت مدينة طرابلس حينها، خِضَمًّا خصبًا تُعَبِّر فيه الأجيال عن رغباتها في الصعود والتحرر والولوج في المذاهب الفكرية والسياسية التي راجت أسواقها، وامتلأت بالشبان والمراهقين وحتى بالأولاد، بحثًا عن فكرة جديدة أو خطيب مفوه، أو رائد لا يكذب أهله”.

أضاف: “في مرحلة التلمذة في مدينة الميناء، وجدت لدى زملائي حماسة استثنائية للذهاب إلى المسجد الذي يصلي فيه شيخ شاب ما زال يدرس في أزهر مصر، حيث كانت العطلة الصيفية مجالًا خصبًا لاستقطاب الأفواج بانتظار نزول الشيخ صبحي الصالح من صلاة الجمعة في المسجد العالي، ليحتشدوا تحت القنطرة ويستمعموا إليه من منبر يعتليه، فتصل عباراته ونبراته إلى الآذان والأفئدة من دون مكبر صوت، وتأخذهم النشوة من قوة السبك وبراعة الارتجال، وفصاحة اللسان، ونوع المضوعات التي كانت تمزج الفهم الديني بالفكر المتجدد فكأنما الجمهور في حلقة ذكر ترتقي بالعاطفة الدينية إلى مصاف عقلي، متطهر من البدع، والخرافة، لأن ذلك الخطيب الواعد، كان ينقل العلم من مصدره الأزهري ويبثه عبارات سلسلة النص والمعاني، وعلى هذا، فإنني أقول، من تحت قبة السوق القديم في الميناء انطلق الشيخ صبحي صالح، علما وعالما وموجها، ثم شهيدا في السدة الارقى”.

وتابع: “شكل الشيخ صبحي ظاهرة سياسية جديدة حال دون استمرارها ذهابه إلى باريس طالبا للعلم، حيث نال شهادة الدكتوراه من السوربون، وكان استاذه المعجب به المستشرق الفرنسي Régis blachère الذي أقر بفضل الدكتور صبحي عليه، عندما نبهه إلى أخطاء في النص الفرنسي للقرآن الكريم الذي تولى ترجمته”.

وأردف: “من الصالح إلى الصالح ينتقل وعيي، وقد أصبحت طالبا في كلية الحقوق جامعة القاهرة فيما أنا أضع نصب عيني الالتحاق بزمالة رشيد فهمي كرامي وعمر مسقاوي وناصر الصالح، وقد سبقوني إلى التخرج ومارسوا مهنة المحاماة. جمعتني بهم مودة عميقة، سداها الشعور القومي العربي، ولحمتها مكارم الاخلاق حيث كان الاستاذ عمر يدخل أفكاره وهمته إلى جميعة طرابلس والاستاذ ناصر يستكمل رسالة اخيه في مكارم الميناء”.

وقال: “في عام 1963، كان الاستحقاق البلدي، فقررت حركة القوميين العرب برئاسة المرحوم رشيد فهمي كرامي خوض الانتخابات والتركيز بالدرجة الأولى على مدينة الميناء لأن التنظيم كان يتمتع فيها بقوة ملحوظة، لكن المعضلة التي واجهتنا أن حماستنا السياسية التي كانت في ذروتها، لا يمكن ترجمتها بترشيح أشخاص من الحركة، لأن معظمنا كان دون السن القانونية، فرحنا نبحث عمن يُقيلنا من عثرتنا، فلم يكن أمامنا إلا اللجوء إلى المحامي الجديد شقيق الشيخ صبحي، الرجل المستقيم والراعي لمكارم الأخلاق، فذهبنا إليه وجلين خشية الرفض، لكنه لم يخذلنا، بل قاد معركة الانتخابات بجدارة وقوة بمساندة صديق آخر، خلوق ومحبوب هو المرحوم عبد الرحمن هاجر الذي قبل الترشح أيضا. أما ثالثهم فكان من قيادة الحركة وهو المرحوم أسامة زيلع الذي تخطى سن الخامسة والعشرين بأيام قليلة”.

أضاف: “لا يمكن ان أنسى تلك الأيام، وما تعرضنا له من اضطهاد واعتداءات جسدية ظنًا من القوى المنافسة اننا مجرد اولاد تأخذهم الرهبة، ولكن النتيجة كانت مبهرة لنا ولخصومنا خصوصا، بعد أن أحرز المحتفى به أرقاما خارقة، يومها تشكل المجلس البلدي برئاسة المرحوم أحمد ممتاز كبارة من خليط متنوع، ولكنه كان في عرف الناس المجلس الأكثر انسجاما وإنتاجا. وفجأة ومن غير توقع، وجدنا المحامي ناصر الصالح يخلع رداء المحاماة الأسود ويرتدي جبة القاضي الشرعي، وقد كان ذلك في احتفال حميم في منزل الاستاذ عمر مسقاوي، في حضور رئيس المحكمة الشرعية السنية آنذاك المرحوم الشيخ محمد الداعوق الذي ألبسه الجبه كما ألبسها للمرحوم الشيخ فيصل مولوي كقاضيين شرعيين، وكلاهما كانا زميلين في المحاماة، علما أن سماحة المحتفى به كان قد أكمل علومه الشرعية في الأزهر الشريف بالتوازي مع دراسة الحقوق. تولى الشيخ ناصر منصبه الجديد وقد كلف كذلك بإدارة شؤون المحكمة الشرعية في طرابلس، وكان زميلاه فيها المرحومان بإذن الله فضيلة الشيخ عبد اللطيف زيادة وسماحة الشيخ مفيد شلق الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للمحكمة العليا”.

وتابع: “كنا نمثل أمامه متأدبين بأصول المحاماة والاحترام، وكان يعاملنا كأنه لم يغادر زمالتنا، إذ كان يرفع الحاجز الفاصل قوسه عنا، ويكتفي بإقامة الحق أداة وصل بين المتقاضين. استحق سماحته الترقي إلى السدة القضائية الرفيعة وأصبح رئيسًا للمحكمة الشرعية السنية العليا ومديرًا عامًا للمحاكم، فنعمت بيروت بأفضال الصالحين صبحي وناصر ولكنهما بقيا على انتمائهما لطرابلس والميناء، لا يألوان جهدًا في تقديم الخدمات ورعاية اعمال الخير. ذهب الصديق العزيز إلى التقاعد، ولم تتقاعد همته أو تتقاعس، بل انصرف بكليته إلى أعمال الخير بعد أن أعاد قيده في نقابة المحامين، وكان لي الحظ ان منحني صوته لأكون نقيبًا، وهذا ما اعتز به، فيما أنا تخلفت عن انتخابه في المجلس البلدي لأنني لم أكن قد بلغت السن القانونية آنذاك”.

وأردف: “لم يخلع الشيخ الجليل جبته وعمته، بل اقتصر عمله في المحاماة على التوجيه والدراسات وإعطاء النصيحة، لكن همه انصرف إلى أعمال الخير ومكارم الأخلاق، فأنشأ في سوق الميناء العتيق قاعة الشهيد الشيخ صبحي للمناسبات، فوفر على المعزين والمعزَّين المشقة، كما جمع التبرعات لإنشاء قاعة الفاروق الملحقة، بمسجد الفاروق الذي كان في السابق جامع البحر، قبل أن ينسف في احداث 1958، وشملت مبراته إعداد مقابر جديدة بعد أن ضاقت مقابر الميناء بنزلائها، أما ذروة أعماله فإنشاء دار الأكارم الذي يستقبل العجزة وكبار السن، وذلك ببدلات زهيدة أو حتى بلا بدلات، حيث يقيم على راحتهم ونظافتهم وطعامهم وعلاجهم فريق متخصص أغلبه من المتطوعين. في هذا الصدد، أذكر طرفة هي انني عندما كنت وزيرًا للشؤون الاجتماعية خصصت مساعدات معينة لجمعية مكارم الأخلاق في الميناء فإذا بالأمر يلتبس على الموظفين وتذهب المساعدة إلى جمعية مكارم الأخلاق في طرابلس، فلما اعتذرت لسماحته على هذا الخطأ أجابني بابتسامته العريضة: “لا فرق بيني وبين عمر مسقاوي، فكلانا في خدمة المكارم”.

وختم: “أدين للجنة التكريم ان أسمتني متحدثًا باسمها وأخص الفريين الصديقين العزيزين الدكتور رامز والشيخ رامي على همتهما، لإقامة هذا الحفل لرجل مستحق، برعاية صاحب السماحة رئيس المحكمة الشرعية السنية العليا الدكتور محمد عساف، ومشاركة سماحة الإمام الشيخ محمد الإمام. ألحت علي قبل الختام فكرة حزينة ذكرتني بأن صاحب الرعاية يشترك مع المكرم، بآلام الطعنات الغادرة التي استهدفت الوالد والشقيق، وهما من أعلام المسلمين، نذرا العلم والفضل لخدمة الناس، وكانا معًا رمزي انفتاح وتسامح، لكن الجهالة الجهلاء تخاطب العلم بالظلم، والرحابة بالضيق والحياة بالاغتيال. كمن القاتلان للشهيدين، فأرديا احتمالات باذخة وآمالًا وطيدة، لكن الشيخين الجليلين أحمد عساف وصبحي الصالح يحضران أمامنا ممثلين بسماحة الراعي والمحتفى به، وبالأخ سفيان الذي مازال يثبت أنه ضمير الغائب وضمير الحاضر في آن واحد”.

سفيان الصالح

وألقى كلمة العائلة رئيس مجلس العمل اللبناني في ابو ظبي سفيان صبحي الصالح، فقال: “الشكر لرعاية الشيخ عساف لتكريم يليق برموز مدينتنا في العمل الاجتماعي والخيري. التكريم اليوم هو تكريم لهذه الحاضرة العريقة، طرابلس مدينة العلم والعلماء وموئل التقوى والسلام تضيف اليوم الى اوصافها وصفا جديدا انها مدينة الوفاء، فشكرا من القلب”.

عساف

من جهته، قال راعي الاحتفال: “اننا نكرم علما من اعلام القضاء الشرعي، من وجوه المجتمع الطرابلسي خصوصا واللبناني عموما، رجل سعى لغرس بذور المحبة والخير في قلوب المحتاجين، عالم جليل سخر عمره وعلمه في خدمة المحاكم الشرعية والمجتمع وما زال حفظه الله يسعى بلا كلل ولا ملل في خدمة الفقراء والمساكين عبر جمعية مكارم الاخلاق الاسلامية في منطقة الميناء التي يرأسها”.

اضاف: “الشيخ الصالح صاحب كلمة طيبة ووجه سمح وهو رجل التسامح والاعتدال ناصر الحق والصالح الذي يبحث عن العدالة في اروقة المحاكم الشرعية، رجل من نظر اليه هابه ومن استمع اليه عرف مكانته العلمية والادبية، متواضع دمث الخلق قريب من الناس لا يهاب في الله لومة لائم .فهو صاحب المواقف الجريئة، ولن ننسى مواقفه المشرفة في الدفاع عن المحاكم الشرعية واحوالها الشخصية ورفضه لقانون الزواج الاختياري المدني الذي نادى به البعض عندما كان رئيسا للمحاكم الشرعية السنية”.

وتابع: “الشيخ ناصر الصالح أثرى المحاكم الشرعية السنية بكثير من الاحكام التي تعبر عن مكانته العلمية والقضائية، فكان اداريا من الطراز الاول من عمل معه عرف قدره ومكانته في القضاء. جمع العديد من الصفات الجميلة والخصال والمواقف الجريئة فهو مدرسة بحد ذاتها يتعلم فيها الطالب صلب المواقف ورجاحة العقل ورحابة الصدر، واثق التفكير يستفيد من علمه الجميع، بل هو كتاب يحمل بين طياته صفحات سطرت بمداد الخبرة يتغذى القارئ من حروف حياته المعبرة عن شفافية صفاته المميزة”.

وختم: “عندما نكرم الشيخ صالح انما نكرم العلم والعلماء في طرابلس الفيحاء مدينة العلم والعلماء، ونحن في تكريم سماحته نعبر له عن مدى محبتنا وشكرنا وامتناننا لهذا الرجل العظيم الذي افنى عمره في سبيل خدمة القضاء والمجتمع وترك بصمة لا تنسى في المحاكم الشرعية السنية وفي خدمة مجتمعه خاصه بتأسيسه دار الاكارم الإسلامية للمسنين في الميناء”.

دروع

وفي الختام، قدمت مريم ابراهيم الصالح الهيئات المكرمة للشيخ الصالح وهم راعي الاحتفال والمطران كرياكوس باسم مدرسة مار الياس ونقيب المهندسين شوقي فتفت ورئيس بلدية طرابلس عبد الحميد كريمة، ورئيس بلدية الميناء عبد الله كبارة والوزير السابق محمد عبد اللطيف كباره و الصحافي رامز الفري عن الرابطة الثقافية وعزام هاجر عن جمعية “مكارم الاخلاق” الإسلامية في طرابلس والقاضي نبيل صاري عن جمعية “طرابلس في القلب” والمحامية أميرة الدايه عن جمعيه “للخير انا وانت” والقاضي مالك بارودي عن  المركز الاسلامي

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *